« طوله » فإنهما يتناسبان لفظا ؛ وليسا متقابلين معنى ؛ لأنهما ليسا ضدّين ، كما في العلوّ والدنوّ .
قلت : بل فيهما معنى التضادّ ، لأنّ الحول هو القوّة ، وهي مشعرة بالسَّطْوة والقهر ، ومنه منشأ الانتقام ، والطَّوْل : الإفضال والتكرّم ، وهو نقيض الانتقام والبطش .
ومنها أن « مانحاً » في وزن « كاشف » و « غنيمة » بإزاء « عظيمة » في اللفظ ، وضدها في المعنى ؛ وكذلك « فضل » و « أزل » .
ومنها أن « عواطف » بإزاء « سوابغ » و « نِعَمه » بإزاء « كرمه » .
ومنها ـ وهو ألطف ما يُستعمله أرباب هذا الصناعة ـ : أنَّه جعل « قريبا هاديا » ، مع قوله : « أستهديه » ؛ لأنّ الدليل القريب منك أجدرُ بأن يهديَك من البعيد النازح ، ولم يجعله مع قوله : « وأستعينه » ؛ وجعل مع الاستعانة « قاهراً قادرا » ؛ لأنّ القادر القاهر يليقُ أن يستعان ويستنجدَ به ؛ ولم يجعله قادرا قاهرا مع التوكّل عليه ، وجعل مع التوكل « كافياً ناصراً » ؛ لأنّ الكافيَ الناصر أهلٌ لأنْ يتوكّل عليه .
وهذه اللطائف والدقائق من معجزاته عليه السلام التي فات بها البلغاءَ ، وأخرس الفصحاء .
الأصْلُ :
۰.أُوصِيكُمْ عِبَادَ اللّهِ بِتَقْوَى اللّهِ الَّذِى ضَرَبَ لكم الْأَمْثَالَ ، وَوَقَّتَ لَكُمُ الآجَالَ ، وَأَلْبَسَكُمُ الرِّيَاشَ ، وَأَرْفَغَ لَكُمُ الْمَعَاشَ ، وَأَحَاطَ بِكُمُ الإحْصَاءَ ، وَأَرْصَدَ لَكُمُ الْجَزَاءَ ، وَآثَرَكُمْ بِالنِّعَمِ السَّوَابِغِ ، وَالرِّفَدِ الرَّوَافِغِ ، وَأَنْذَرَكُمْ بِالْحُجَجِ الْبَوَالِغِ ، فَأَحْصَاكُمْ عَدَدَا ، وَوَظَّفَ لَكُمْ مُدَدا ، فِي قَرَارِ خِبْرَةٍ ، وَدَارِ عِبْرَةٍ ، أَنْتُمْ مُخْتَبَرُونَ فِيهَا ، وَمُحَاسَبُونَ عَلَيْهَا .
الشّرْحُ :
وقّت وأقّت بمعنى ؛ أي جعل الآجال لوقتٍ مقدّر . والرياش والرّيش واحد ؛ وهو اللباس ، قال تعالى : « يُوَارِي سَوْءاتِكُم وَرِيشا »۱ . وقُرئ « ورياشاً » ، ويقال : الرياش : الخِصْب