25
تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1

بشكل قاطع ، حيث أنّ كثيراً من الأخبار في غير النهج تؤكد وقوع التساب والتشاجر ، والتخاصم ، والاغتياب وشهر السلاح والاغتيال بين الصحابة . وقد ذكر ابن أبي الحديد ذلك في شرحه مفصّلاً ۱ .
وأمّا الواقع السياسي ، فإنّ الإمام عليه السلام بحكم إقصائه وابتزاز حقه ودفعه فقد نقم على بعض الصحابة ، وهذا أمر يقتضيه على أي حال ، سواء لحظنا الإمام عليه السلام كبشر ... يغضب ويتألم ويرضى ، إذا تعرّض إلى حيف وظلم كالذي تعرّض له يوم السقيفة وما بعده ، أو يوم الشورى ، أو غيرها وهو صاحب الحق ، أو اقتحامهم بيته ، وجرأتهم على انتهاك حرمة زوجته سيدة النساء .
أم لحظناه كحجة للّه وإمام هدىً يتوقف أداء رسالته على تأكيد مظلوميته ، وأنّه صاحب الحقّ المنصوص عليه من النبي صلى الله عليه و آله وسلم ، والمقصيّ عن مقام الإمامة والخلافة ، فيبيّن ذلك على الملأ حتى تتم له الحجة على الناس ، ويتم إيصال تعاليم الإسلام والنبي صلى الله عليه و آله وسلمووصاياه إليهم .
ثم إنّ هذه الخطبة ـ الشقشقية ـ رويت في مصادر كثيرة قبل الشريف الرضي ، وكلّها تستمد من مصدر واحد وهو ابن عباس ، متّفقة في معناها وإن اختلفت ألفاظها ، فلو كان واضعها الرضي لنقلت عن النهج بوجه واحد في جميع المصادر .
وفي معرض دفاع ابن أبي الحديد عن نسبة هذه الخطبة إلى الإمام عليه السلام ينقل هذه القصة الظريفة ، ثم يذكر بعض المصادر قبل عصر السيد الرضي ، فيقول :
« قال مصدّق ۲ : وكان ابن الخشاب صاحب دعابة وهزل ، قال : فقلت له : أتقول إنها منحولة ؟!
فقال : لا واللّه ، وإني لأعلم أنّها كلامه ، كما أعلم أنك مصدّق .
قال : فقلت له : إنّ كثيراً من الناس يقولون إنها من كلام الرضيّ رحمه الله .

1.شرح نهج البلاغة ، ابن أبي الحديد ۲۰/۱۷ ـ ۳۵ .

2.مصدق بن شبيب بن الحسين الصلحي الواسطي ؛ ذكره القفطي في إنباه الرواة ۳/۲۷۴ ، وقال : إنّه قدم بغداد ، وقرأ بها على ابن الخشاب ، وحبشي بن محمد الضرير ، وعبد الرحمن بن الأنباري وغيرهم ، وتوفي ببغداد سنة (۶۰۵ ه) .


تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1
24

معاوية في حال من الأحوال يسلك في كلامه مسلك الزّهّاد ، ومذاهب العُبّاد ؟! » ۱ .
أقول : هذا مع العلم أنّ الجاحظ كان معتزلياً عثماني المذهب ، لا يميل لعليّ عليه السلام ، ولا يفضله على عثمان أو غيره من الخلفاء ۲ .
وأنّى للرضي أو غيره من فصحاء الشيعة وغيرهم محاكاة الإمام عليه السلام ، أو مجاراته في اُسلوبه وطريقته ، أو في معانيه وألفاظه .
ثانياً ـ أمّا التشكيك بنسبة الخطب له عليه السلام ؛ لطولها ، ولتعذّر حفظها على الرواة ، فهو كسابقه تشكيك لا قيمة له ، إذا عرفنا أنّ العرب كانوا في تلك العصور يعتمدون على قوة وسرعة الحافظة ، فقد كانوا يحفظون القصائد الطوال لمجرد سماعها . حكى صاحب الإغاني ، أنّ ابن عباس رحمه الله حفظ قصيدة عمر بن أبي ربعية : (أمن آل نعم أنت غاد فمبكر) لمجرد سماعها بقراءة واحدة .
وخطب النهج ليست بدعاً من خطب النبي صلى الله عليه و آله وسلم أو الخلفاء ، ولو كان الحفظ يتعذر ، لكان الشك يسري إلى كلّ ما حفظ من خطب النبي صلى الله عليه و آله وسلم والخلفاء ، والولاة وغيرهم من أهل الجاهلية والإسلام .
ومن المحتمل أنّ خطب الإمام عليه السلام كانت تكتب بعد سماعها من قبل أصحابه ومريديه .
ثالثاً ـ أمّا وجود خطب تعرّض فيها الإمام عليه السلام لبعض الصحابة والخلفاء السابقين ، وطعنت عليهم ونالت منهم ، وأكثر هذه التعريضات جاءت في الخطبة الشقشقية ، وقد ذكر ذلك غير واحد ممن شكك في النهج كابن تيمية والذهبي ، وقد صرّح الأخير في ميزان الاعتدال ، بقوله : « ومن طالع كتابه نهج البلاغة جزم بأنه مكذوب على أمير المؤمنين عليّ رضى الله عنه ، ففيه السبّ الصراح والحطّ من السيدين أبي بكر وعمر ... » ۳ .
والجواب : إنّ التعرض لنقد الصحابة ـ في الواقع ـ لا ينسجم مع عقيدة المشكك ومذهبه، باعتباره قائم على بدعة عدالة الصحابة وتنزيههم . والواقع التاريخي والموضوعي يرفضه

1.شرح نهج البلاغة ، ابن أبي الحديد ۲/۱۷۵ ؛ وراجع البيان والتبيين ، الجاحظ ۲/۵۶ ـ ۵۸ ، تحقيق وشرح السندوبي ، الطبعة الأُولى ۱۳۴۵ ه / ۱۹۲۷ م ، المطبعة الرحمانية ـ مصر .

2.شرح نهج البلاغة ، ابن أبي الحديد ۱/۷ .

3.ميزان الاعتدال ، الذهبي ۳/۱۲۴ رقم ۵۸۲۷ ، تحقيق علي محمد البجاوي ، دار الفكر ـ بيروت .

  • نام منبع :
    تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1
    تعداد جلد :
    2
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1384
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 183493
صفحه از 712
پرینت  ارسال به