عَلَى كُلِّ شَيْءٍ . فَلْيَعْمَلِ الْعَامِلُ مِنْكُمْ فِي أَيَّامِ مَهَلِهِ ، قَبْلَ إِرْهَاقِ أَجَلِهِ ، وَفِي فَرَاغِهِ قَبْلَ أَوَانِ شُغُلِهِ ، وَفِي مُتَنَفَّسِهِ قَبْلَ أَنْ يُؤْخَذَ بِكَظَمِهِ ، وَلِيُمَهِّدْ لِنَفْسِهِ وَقَدَمِهِ ، وَلْيَتَزَوَّدْ مِنْ دَارِ ظَعْنِهِ لِدَارِ إِقَامَتِهِ .
فَاللّهَ اللّهَ أَيُّهَا النَّاسُ ، فِيمَا اسْتَحْفَظَكُمْ مِنْ كِتَابِهِ ، وَاسْتَوْدَعَكُمْ مِنْ حُقُوقِهِ ، فَإِنَّ اللّهَ سُبْحَانَهُ لَمْ يَخْلُقْكُمْ عَبَثا ، وَلَمْ يَتْرُكْكُمْ سُدىً ، وَلَمْ يَدَعْكُمْ فِي جَهَالَةٍ وَلاَ عَمىً ، قَدْ سَمَّى آثَارَكُمْ ، وَعَلِمَ أَعْمَالَكُمْ ، وَكَتَبَ آجَالَكُمْ ، وَأَنْزَلَ عَلَيْكُمُ الْكِتَابَ تِبْيَانا لِكُلِّ شَيْءٍ ، وَعَمَّرَ فِيكُمْ نَبِيَّهُ أَزْمَانا ، حَتَّى أَكْمَلَ لَهُ وَلَكُمْ ـ فِيمَا أَنْزَلَ مِنْ كِتَابِهِ ـ دِينَهُ الَّذِي رَضِيَ لِنَفْسِهِ ؛ وَأَنْهَى إِلَيْكُمْ ـ عَلَى لِسَانِهِ ـ مَحَابَّهُ مِنَ الْأَعْمَالِ وَمَكَارِهَهُ ، وَنَوَاهِيَهُ وَأَوَامِرَهُ ، وَأَلْقَى إِلَيْكُمُ الْمَعْذِرَةَ ، وَاتَّخَذَ عَلَيْكُمُ الْحُجَّةَ ، وَقَدَّمَ إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ ، وَأَنْذَرَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ .
الشّرْحُ :
السرائر : جمع سَرِيرة ، وهو ما يكتم من السِّرّ . وخبَر الضمائر ، بفتح الباء : امتحنها وابتلاها ، ومن رواه بكسر الباء أراد « علم » ، والاسم الخُبْر ، بضم الخاء وهو العلم . والضمائر : جمع ضمير ، وهو ما تضمره وتكنّه في نفسك .
وفي قوله : « له الإحاطة بكلّ شيء » ؛ وقد بينها ثلاث مسائل في التوحيد :
إحداهنّ : أنه تعالى عالم بكلِّ المعلومات .
والثانية : أنه لا شريك له ، وإذا ثبت كونه عالما بكلّ شيء كان في ضمن ذلك نفي الشريك ؛ لأنّ الشريك لا يكون مغلوبا .
والثالثة : أنه قادر على كلّ ما يصح تعلق قادريته تعالى به .
وقوله : « ليعمل العامل منكم » إلى قوله : « وليتزوّد من دار ظعنه لدار إقامته » مأخوذٌ من قول رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم في خطبته المشهورة وهي : « أيّها الناس ؛ إنّ لكم معالمَ فانتهُوا إلى معالمكم وإن لكم غاية فانتهوا إلى غايتكم . إن المؤمن بين مخافتين : بين أجل قد مَضى لا يدرِي ما اللّه صانعٌ به ، وأجلٍ قد بقَي لا يدري ما اللّه قاضٍ فيه ، فليأخذ العبدُ من نفسه