265
تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1

للنفسه ، ومِنْ دنياه لآخرته ، ومن الشَّبيبة قبل الهَرَم ، ومن الحياة قبل الموت ؛ فوالذي نفس محمد بيده ما بعدَ الموت من مستعتَب ، وما بعدَ الدنيا من دار إلاّ الجنة أو النار » .
والمهَل : المهلة والتؤدة . والإرهاق : مصدر أرهق ، تقول : أرهقه قِرنه في الحرب إرهاقا إذا غشيَه ليقتله . وفي متنفّسه ، أي في سعَة وقته ؛ يقال : أنت في نفَس من أمرك ، أي في سعَة . والكَظَم بفتحهما : مخرج النَّفَس ، والجمع أكْظَام . ويجوز ظعْنه وظعَنه ، بتحريك العين وتسكينها ، وقرئ بهما : « يوم ظعْنكم »۱« وظعَنكم » . ونصب « اللّهَ اللّهَ » على الإغراء ، وهو أن تقدّر فعلاً ينصب المفعول به ؛ أي اتقوا اللّه ، وجعلِ تكرير اللفظ نائبا عن الفعل المقدّر ودليلاً عليه . استحفظكم من كتابه : جعلكم حَفَظة له ؛ جمع حافظ . السُّدَى : المهمَل ، ويجوز سَدى بالفتح ، أسديت الإبل : أهملتها . وقوله : « قد سمّى آثاركم » يفسَّر بتفسيرين :
أحدهما : قد بيّن لكم أعمالكم خيرها وشرها ؛ كقوله تعالى : « وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ »۲ .
والثاني : قد أعلى مآثركم ، أي رفع منازلكم إن أطعتم ، ويكون سمّى بمعنى أسْمَى ، كما كان في الوجه الأول بمعنى أبان وأوضح . والتِبْيان ، بكسر التاء : مصدر ، وهو شاذّ ؛ لأنّ المصادر إنما تجيء على « التَفعال » بفتحها مثل التَّذكار والتَّكرار ، ولم يأت بالكسر إلاّ حرفان وهما : التِّبْيان والتِّلْقَاء .
وقوله : « حتى أكْمل له ولكم دينه » من قوله تعالى : « اليَوْمَ أكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي »۳ .
وقوله : « الذي رضي لنفسه » من قوله تعالى : « وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ »۴ ؛ لأ نّه إذا ارتضى لهم فقد ارتضاه لنفسه ، أي ارتضى أن ينسُب إليه ، فيقال : هذا دين الحق . « وأنهَى إليكم » : عرّفكم وأعلمكم . ومحابّه : جمع محبة ، ومكارهه : جمع مَكْرهة ، وهي ما تكره ، وفي هذا دلالة أن اللّه تعالى يحب الطاعة ويكره المعصية ، وهو خلاف قول المجبِّرة . والأوامر : جمع آمِر ، وأنكره قوم وقالوا : هاهنا جمع « أمْر » ، كالأحاوِص جمع أحْوص ، والأحامِر جمع أحْمر . يعني الكلام الآمر لهم بالطاعات وهو القرآن . والنَّواهي : جمع ناهِية ،

1.سورة النحل ۸۰ .

2.سورة البلد ۱۰ .

3.سورة المائدة ۳ .

4.سورة النور ۵۵ .


تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1
264

عَلَى كُلِّ شَيْءٍ . فَلْيَعْمَلِ الْعَامِلُ مِنْكُمْ فِي أَيَّامِ مَهَلِهِ ، قَبْلَ إِرْهَاقِ أَجَلِهِ ، وَفِي فَرَاغِهِ قَبْلَ أَوَانِ شُغُلِهِ ، وَفِي مُتَنَفَّسِهِ قَبْلَ أَنْ يُؤْخَذَ بِكَظَمِهِ ، وَلِيُمَهِّدْ لِنَفْسِهِ وَقَدَمِهِ ، وَلْيَتَزَوَّدْ مِنْ دَارِ ظَعْنِهِ لِدَارِ إِقَامَتِهِ .
فَاللّهَ اللّهَ أَيُّهَا النَّاسُ ، فِيمَا اسْتَحْفَظَكُمْ مِنْ كِتَابِهِ ، وَاسْتَوْدَعَكُمْ مِنْ حُقُوقِهِ ، فَإِنَّ اللّهَ سُبْحَانَهُ لَمْ يَخْلُقْكُمْ عَبَثا ، وَلَمْ يَتْرُكْكُمْ سُدىً ، وَلَمْ يَدَعْكُمْ فِي جَهَالَةٍ وَلاَ عَمىً ، قَدْ سَمَّى آثَارَكُمْ ، وَعَلِمَ أَعْمَالَكُمْ ، وَكَتَبَ آجَالَكُمْ ، وَأَنْزَلَ عَلَيْكُمُ الْكِتَابَ تِبْيَانا لِكُلِّ شَيْءٍ ، وَعَمَّرَ فِيكُمْ نَبِيَّهُ أَزْمَانا ، حَتَّى أَكْمَلَ لَهُ وَلَكُمْ ـ فِيمَا أَنْزَلَ مِنْ كِتَابِهِ ـ دِينَهُ الَّذِي رَضِيَ لِنَفْسِهِ ؛ وَأَنْهَى إِلَيْكُمْ ـ عَلَى لِسَانِهِ ـ مَحَابَّهُ مِنَ الْأَعْمَالِ وَمَكَارِهَهُ ، وَنَوَاهِيَهُ وَأَوَامِرَهُ ، وَأَلْقَى إِلَيْكُمُ الْمَعْذِرَةَ ، وَاتَّخَذَ عَلَيْكُمُ الْحُجَّةَ ، وَقَدَّمَ إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ ، وَأَنْذَرَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ .

الشّرْحُ :

السرائر : جمع سَرِيرة ، وهو ما يكتم من السِّرّ . وخبَر الضمائر ، بفتح الباء : امتحنها وابتلاها ، ومن رواه بكسر الباء أراد « علم » ، والاسم الخُبْر ، بضم الخاء وهو العلم . والضمائر : جمع ضمير ، وهو ما تضمره وتكنّه في نفسك .
وفي قوله : « له الإحاطة بكلّ شيء » ؛ وقد بينها ثلاث مسائل في التوحيد :
إحداهنّ : أنه تعالى عالم بكلِّ المعلومات .
والثانية : أنه لا شريك له ، وإذا ثبت كونه عالما بكلّ شيء كان في ضمن ذلك نفي الشريك ؛ لأنّ الشريك لا يكون مغلوبا .
والثالثة : أنه قادر على كلّ ما يصح تعلق قادريته تعالى به .
وقوله : « ليعمل العامل منكم » إلى قوله : « وليتزوّد من دار ظعنه لدار إقامته » مأخوذٌ من قول رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم في خطبته المشهورة وهي : « أيّها الناس ؛ إنّ لكم معالمَ فانتهُوا إلى معالمكم وإن لكم غاية فانتهوا إلى غايتكم . إن المؤمن بين مخافتين : بين أجل قد مَضى لا يدرِي ما اللّه صانعٌ به ، وأجلٍ قد بقَي لا يدري ما اللّه قاضٍ فيه ، فليأخذ العبدُ من نفسه

  • نام منبع :
    تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1
    تعداد جلد :
    2
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1384
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 183506
صفحه از 712
پرینت  ارسال به