خامساً ـ وأما الإطالة في الكتب ، وبخاصة عهد مالك ، فهي ضرورة اقتضتها ظروف الحركة التغييرية التي تبناها الإمام عليه السلام ، بعد بروز ظاهرة الفساد الإداري واستهتار الولاة ، فأراد الإمام عليه السلام أن يعهد عهداً ، يكون منهاجاً يسير عليه الولاة عموماً ، ويُقرأ على الأُمة ليكون شاهداً ورقيباً على تصرفاتهم ، وحتى مالك الأشتر ؛ في حنكته وحزمه وتقواه ، يحتاج إلى نصح الإمام عليه السلام وتوجيهه ، ثم إنّ هذا العهد الذي يرسم علاقة الحاكم مع القضاة ، والقواد والتجار ، والعمال ، والجند ، والرعية ... لا يسعه إلاّ الإطالة والإسهاب النافع ، والبيان الشافي ، كما هو الحال في زماننا حينما يُكتب دستور للأُمّة أو تُعيّن فيه وظائف الحاكم أو المحكومين .
سادساً ـ وأما إخباره بالمغيبات ، كإخباره عن قيام دولة بني اُميّة وسقوطها ، ومصير الخوارج ، ومصرع ذي الثدية ، وحركة الزنج ، وحروب التتار وفظائعهم ، وغير ذلك مما أجمع المؤرخون على تحققها وتواتر نقلها . فلا يكفي مجرد التشكيك فيها أو تهويلها لرفع اليد عنها ، اللهم إلاّ أن يقال باستحالة الإخبار بالمغيبات في حق الإمام عليه السلام . على أنّه عليه السلام لا يدّعي ذلك لنفسه ، كما صرّح بذلك للرجل الكلبي الذي بادره قائلاً : لقد اُعطيت يا أمير المؤمنين علم الغيب ، فأجابه الإمام عليه السلام : « ليس هو بعلم غيب وإنما هو تعلّم من ذي علم » .
ولا يَستغرب ذلك من الإمام صلى الله عليه و آله وسلم او يَستكثر عليه إلاّ من لا يعرف منزلة الإمام ومقامه ، وأنّ النبي صلى الله عليه و آله وسلم قد اختصّه بعلمه وسرّه وعنايته ، كما أخبره صلى الله عليه و آله وسلم بالمغيّبات على نحو الإجمال ، ثم هداه إلى أفضل الطرق التي يعي بسببها تفصيل ما أجمله صلى الله عليه و آله وسلم له . كإخباره بما سيقع من حوادث ووقائع تجري من بعده ، كقتال الناكثين والقاسطين والمارقين .
ثم ، من قال إنّه لا يجوز له عليه السلام أن يخبر عن حوادث تقع في مستقبل الزمان ، أخذ علمها عن النبي صلى الله عليه و آله وسلم عن اللّه تعالى ؟!
وما هو المانع من أن يُطلع اللّه على غيبه من ارتضى من الرسل ، كما جاء في قوله تعالى : «عَالِمُ الْغَيْبِ فَلاَ يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَداً * إِلاَّ مَنِ ارْتَضَى مِن رَّسُولٍ»۱ ، وأن يأمر بإعلانه للناس لمصلحة ما ؟!