انتخبه اللّه ، وجعله أهلاً للوصول إليه ، فشرب منه ونَهَل ، وسلك طريقا لا عَثار فيه ولا وَعْث .
وعاشرها : أن يخلَعَ سرابيلَ الشهوات ؛ لأنّ الشهوات تصدِئ مرآة العقل ، فلا تنطبع المعقولات فيها كما ينبغي ، وكذلك الغَضب .
وحادي عشرها : أن يتخلّى من الهموم كلّها ؛ لأنها تزيّدات وقواطع عن المطلوب ، إلاّ همّاً واحدا وهو همّه بمولاه ، الذي لذّته وسروره الاهتمام به ، والتفرد بمناجاته ومطالعة أنوار عِزّته ، فحينئذٍ يخرج عن صفة أهل العَمى ، ومن مشاركة أهل الهوى ؛ لأ نّه قد امتاز عنهم بهذه المرتبة والخاصيّة التي حصلت له فصار مفتاحا لباب الهدى ، ومِغْلاقاً لباب الضلال والردى ، قد أبصر طريق الهدى ، وسلك سبيله ، وعرف مناره ، وقطع غماره .
وثاني عشرها : أن ينصِبَ نفسَه للّه في أرفع الأُمور ، وهو الخلوة به ، ومقابلة أنوار جلاله بمرآة فكره ، حتى تتكيّف نفسه بتلك الكيفية العظيمة الإشراق ، فهذا أرفع الأُمور وأجلّها وأعظمها ، وقد رَمَز في هذا الفصل ، ومزجه بكلام خرج به إلى أمر آخر ، وهو فقه النفس في الدين ، والأُمور الشرعية النافعة للناس في دنياهم وأُخراهم ؛ أمّا في دنياهم فلردْع المفْسِد وكفّ الظالم ، وأما في أُخراهم فللفوز بالسعادة باعتبار امتثال الأوامر الإلهية . فقال : « في إصدار كلّ وارد عليه » ؛ أي في فُتيا كلّ مستفتٍ له ، وهداية كلّ مسترشِد له في الدين ؛ ثم قال : « وتصيير كلّ فرع إلى أصله » . ويمكن أن يحتجّ بهذا من قال بالقياس ، ويمكن أن يقال : إنه لم يُرد ذلك ، بل أراد تخريج الفروع العقلية ، وردّها إلى أُصولها ؛ كما يتكلف أصحابنا القول في بيان حكمة القديم تعالى ، في الآلام وذبح الحيوانات ، ردّا له إلى أصل العدل ، وهو كونه تعالى لا يفعل القبيح .
وثالث عشرها : أن يكون مصباحا لظلمات الضلال ، كشّافا لعشَوات الشُّبَه ، مفتاحا لمبْهَمات الشُّكوك المستغلقة ، دفَّاعاً لمعضلات الاحتجاجات العقلية الدقيقة الغامضة ، دليلاً في فلوات الأنظار الصعبة المشتبهة ، ولم يكن في أصحاب محمد صلى الله عليه و آله وسلمأحد بهذه الصفة إلاّ هو .
ورابع عشرها : أن يقول مخاطبا لغيره فيُفهمه ماخاطبه به ، وأن يسكت فيَسلم ، وذلك لأ نّه ليس كل قائل مُفهما ، ولا كل ساكت سالما .
وخامس عشرها : أن يكونَ قد أخلصَ للّه فاستخلَصه اللّه ، والإخلاص للّه مقام عظيم