285
تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1

مخرجه من العدم المحض ، كقوله تعالى : « بَدِيعُ السَّمَواتِ وَالأَرْضِ »۱ . ودائبان : تثنية دائب ؛ وهو الجادّ المجتهد المتعب ، دأب في عمله أي جدّ وتعب دأبا ودؤباً فهو دئيب ، ودأبته أنا . وسمّى الشمس والقمر دائبين لتعاقبهما على حال واحدة دائما لا يفتران ولا يسكنان ، وروي « دائبين » بالنصب على الحال ويكون خبر المبتدأ « يبليان » وهذه من الألفاظ القرآنية ۲ .

الأصْلُ :

۰.قَسَمَ أَرْزَاقَهُمْ ، وَأَحْصَى آثَارَهُمْ وَأَعْمَالَهُمْ ، وَعَدَدَ أَنْفُسِهمْ ، وَخَائِنَةَ أَعْيُنِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ مِنَ الضَّمِيرِ ، وَمُسْتَقَرَّهُمْ وَمُسْتَوْدَعَهُمْ مِنَ الْأَرْحَامِ وَالظُّهُورِ ، إِلَى أَنْ تَتَنَاهَى بِهِمُ الْغَايَاتُ .

الشّرْحُ :

آثارهم ، يمكن أن يُعْنَى به آثار وطئهم في الأرض إيذانا بأنه تعالى عالم بكلّ معلوم كما آذن قوله سبحانه : « وَمَا تَسْقط مِنْ وَرَقَةٍ إلاّ يَعْلَمُهَا »۳ بذلك . ويمكن أن يعنى به حركاتهم وتصرّفاتهم . وروي : « وعدد أنفاسهم » على الإضافة . وخائنة الأعين : ما يومى به مسارقة وخفية . ومستقرّهم ، أي في الأرحام . ومستودعهم ، أي في الأصلاب ، وقد فسر ذلك فتكون « من » متعلّقة بمستودعهم ومستقرهم على إرادة تكرّرها ، ويمكن أن يقال : أراد مستقرّهم ومأواهم على ظهر الأرض ومستودعهم في بطنها بعد الموت ، وتكون « من » هاهنا بمعنى « مذ » أي مذ زمان كونهم في الأرحام والظهور إلى أن تتناهى بهم الغايات ، أي إلى أن يحشروا في القيامة . وعلى التأويل الأول يكون تناهى الغايات بهم عبارة عن كونهم أحياء في الدنيا .

1.سورة الأنعام ۱۰۱ .

2.من قوله تعالى في سورة إبراهيم : « وَسَخّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ » .

3.سورة الأنعام ۵۹ .


تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1
284

دَائِماً ؛ إِذْ لاَ سَمَاءٌ ذَاتُ أَبْرَاجٍ ، وَلاَ حُجُبٌ ذَاتُ إِرْتَاجٍ ، وَلاَ لَيْلٌ دَاجٍ ، وَلاَ بَحْرٌ سَاجٍ وَلاَ جَبَلٌ ذُو فِجَاجٍ ، وَلاَ فَجٌّ ذُو اعْوِجَاجٍ ، وَلاَ أَرْضٌ ذَاتُ مِهَادٍ ، وَلاَ خَلْقٌ ذُو اعْتَِمادٍ ، ذلِكَ مُبْتَدِعُ الْخَلْقِ وَوَارِثُهُ ، وَإِلهُ الْخَلْقِ وَرَازِقُهُ ، وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ دَائِبَانِ فِي مَرْضَاتِهِ ، يُبْلِيَانِ كُلَّ جَدِيدٍ ، وَيُقَرِّبَانِ كُلَّ بَعِيدٍ .

الشّرْحُ :

الرويّة : الفكرة وأصلها الهمز ، رَوّأتُ في الأمر ، وقد جاء مثلها كلمات يسيرة شاذّة ، نحو البريّة من برأ أي خلق ، والذريّة من ذَرَأ أي خلق أيضا ، وصف اللّه تعالى بأنّه يعرف من غير أن تتعلّق الأبصار بذاته ، ويخلق من غير تفكر وتروٍّ فيما يخلقه . لم يزل قائما ، القائم والقيّوم بمعنىً ، وهو الثابت الذي لا يزولُ ، ويعبر عنه في الاصطلاح النظريّ بالواجب الوجود ، وقد يفسر القائم على معنى قولهم : فلان قائم بأمر كذا ، أي والٍ وممسك له أن يضطرب . ثم قال : هو موصوف بأنه قائم دائم من قبل أن يخلق العالم . والأبراج : الأركان في اللغة العربية . قال تعالى : « وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ »۱ ، وأخذها عليّ عليه السلام منه ، فقال : « إذ لا سماءٌ ذات أبراج » ، وارتفع « سماء » ، لأ نّه مبتدأ وخبره محذوف ، وتقدير « في الوجود » .
ثم قال : « ولا حُجُب ذات إرتاج » والإرتاج مصدر أرتج أي أغلق ، أي ذات إغلاق ، ومن رواه « ذات رِتاج » على « فِعال » ، فالرتاج الباب المغلق ، ويُبعِد رواية مَنْ رواه « ذات أرتاج » ؛ لأنّ « فعالاً » قلّ أن يجمع على « أفعال » ؛ ويعنى بالحُجُب ذات الإرتاج حجب النور المضروبة بين عرشه العظيم وبين ملائكته . ويجوز أن يريد بالحجب السماوات أنفسها ؛ لأنهاحجبت الشياطين عن أن تعلم ما الملائكة فيه . والليل الداجي : المظلم ، والبحر الساجي : الساكن . والفِجاج : جمع فَجّ ؛ وهو الطريق الواسع بين جبلين . والمهاد : الفراش .
قوله : « ولا خلق ذو اعتماد » ؛ أي ولا مخلوق يسعى برجلين فيعتمد عليهما ، أو يطير بجناحيه فيعتمد عليهما ؛ ويجوز أن يريد بالاعتماد هنا : البطش والتصرّف . مبتدع الخلق :

1.سورة البروج ۱ .

  • نام منبع :
    تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1
    تعداد جلد :
    2
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1384
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 183286
صفحه از 712
پرینت  ارسال به