287
تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1

90

الأصْلُ :

۰.ومن خطبة له عليه السلام تعرف بخطبة الأشباح ، وهي من جلائل خطبه عليه السلام
روى مَسعَدَةُ بنُ صَدَقَةَ عن الصادق جعفر بن محّمد عليهماالسلام ، أنّه قال: خطب أمير المؤمنين بهذه الخطبة على منبر الكوفة ؛ وذلك أن رجلاً أتاه فقال له: يا أمير المؤمنين صف لنا ربّنا مثلما نراه عَياناً ، لنزداد له حباً ، وبه معرفة ؛ فغضب ونادى : الصلاة جامعةً ، فاجتمع الناس حتى غصّ المسجدبأهله ؛ فصعد المنبر وهو مغضب متغير اللون ، فحمد اللّه وأثنى عليه ، وصلّى على النبي صلى اللّه عليه وآله ، ثمّ قال :
الْحَمْدُ للّه الَّذِي لاَ يَفِرُهُ الْمَنْعُ وَالْجُمُودُ ، وَلاَ يُكْدِيهِ الاْءِعْطَاءُ وَالْجُودُ ؛ إِذْ كُلُّ مُعْطٍ مُنْتَقَصٌ سِوَاهُ، وَكُلُّ مَانِعٍ مَذْمُومٌ مَا خَلاَهُ ؛ وَهُوَ الْمَنَّانُ بِفَوَائِدِ النِّعَمِ ، وَعَوائِدِ المْزَيِدِ وَالْقِسَمِ ؛ عِيَالُهُ الْخَلاَئِقُ ، ضَمِنَ أَرْزَاقَهُمْ ، وَقَدَّرَ أَقْوَاتَهُمْ ، وَنَهَجَ سَبِيلَ الرَّاغِبِينَ إِلَيْهِ ، وَالطَّالِبِينَ مَا لَدَيْهِ ، وَلَيْسَ بِمَا سُئِلَ بِأَجْوَدَ مِنْهُ بِمَا لَمْ يُسْأَلْ . الأَوَّلُ الَّذِي لَمْ يَكُنْ لَهُ قَبْلٌ فَيَكُونَ شَيْءٌ قَبْلَهُ ، وَالآخِرُ الَّذِي لَيْسَ لَهُ بَعْدٌ فَيَكُونَ شَيْءٌ بَعْدَهُ ، وَالرَّادِعُ أَنَاسِيَّ الْأَبْصَارِ عَنْ أَنْ تَنَالَهُ أَوْ تُدْرِكَهُ ، مَا اخْتَلَفَ عَلَيْهِ دَهْرٌ فَيَخْتَلِفَ


تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1
286

الأصْلُ :

۰.هُوَ الَّذِي اشْتَدَّتْ نِقْمَتُهُ عَلَى أَعْدَائِهِ فِي سَعَةِ رَحْمَتِهِ ، وَاتَّسَعَتْ رَحْمَتُهُ لِأَوْلِيَائِهِ فِي شِدَّةِ نِقْمَتِهِ ، قَاهِرُ مَنْ عَازَّهُ ، وَمُدَمِّرُ مَنْ شَاقَّهُ ، وَمُذِلُّ مَنْ نَاوَاهُ ، وَغَالِبُ مَنْ عَادَاهُ . مَنْ تَوَكَّلَ عَلَيْهِ كَفَاهُ ، وَمَنْ سَأَلَهُ أَعْطَاهُ ، وَمَنْ أَقْرَضَهُ قَضَاهُ ، وَمَنْ شَكَرَهُ جَزَاهُ .
عِبَادَ اللّهِ ، زِنُوا أَنْفُسَكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ تُوزَنُوا ، وَحَاسِبُوهَا مِنْ قَبْلِ أَنْ تُحَاسَبُوا ، وَتَنَفَّسُوا قَبْلَ ضِيقِ الْخِنَاقِ ، وَانْقَادُوا قَبْلَ عُنْفِ السِّيَاقِ ، وَاعْلَمُوا أَنَّهُ مَنْ لَمْ يُعَنْ عَلَى نَفْسِهِ حَتَّى يَكُونَ لَهُ منْهَا وَاعِظٌ وَزَاجِرٌ ، لَمْ يَكُنْ لَهُ مِنْ غَيْرِهَا لاَ زَاجِرٌ وَلاَوَاعِظٌ .

الشّرْحُ :

يجوز نَقِمة ونِقْمَة ، مثل كَلِمة وكِلْمة ، ولَبِنة ولِبْنة ، ومعنى الكلام أ نّه مع كونه واسع الرحمة في نفس الأمر ، وأنه أرحم الراحمين ؛ فإنه شديد النقمة على أعدائه ؛ ومع كونه عظيم النقمة في نفس الأمر وكونه شديد العقاب فإنه واسع الرحمة لأوليائه . وعازّه ، أي غالبه ، وعَزَّه أي غلبه ، ومنه « وَعَزَّنِي في الْخِطَابِ »۱ ، وفي المثل « مَنْ عَزّ بَزّ » ، أي مَنْ غَلَب سلَب . والمدمِّر : المهلك ، دَمّره ودَمّر عليه بمعنىً ، أي أهلَكه . وشاقّه : عاداه ، قيل إنّ أصلَه من الشِّق وهو النِّصف ؛ لأنّ المعادي يأخذ في شِقّ والمعادى في شِقّ يقابله . وناواه ، أي عاداه ، واللفظة مهموزة ، وإنما ليَّنها لأجل القرينة السَّجعية ، وأصلها ناوأتُ الرجل مناوأة ونِواء ؛ ويقال في المثل : « إذا ناوأت الرجل فاصْبر » .
قوله : « زنوا أنفسكم قبل أن توزنوا » من الكلام الفصيح النادر اللطيف ، يقول : اعتبروا أعمالكم وأنتم مختارون قادرون على استدراك الفارط ، قبل أن يكون هذا الاعتبار فعلَ غيركم وأنتم لا تقدرون على استدراك الفارط ، ومثله قوله : « وحاسبوها من قبل أن تحاسبوا » . ثم قال : « وتنفّسوا قبل ضيق الخناق » ، أي انتهزوا الفرصة ، واعملوا قبل أن يفوتَكم الأمر ، ويَجدّ بكم الرحيل ويقع الندم ، قال الشاعر :
اختِمْ وطينُك رَطْبٌ إن قدرتَ فَكَمْقد أمكن الختمُ أقواما فما ختموا
ثم قال : « وانقادوا قبل عُنف السياق » ، هو العُنف بالضم ، وهو ضدّ الرفق ، يقال عُنف عليه وعُنف به أيضا ، والعَنِيف : الذي لا رفق له بركوب الخيل ، والجمع عُنُف . واعتنفتُ الأمرَ ، أي أخذته بعنف ، يقول : انقادوا أنتم من أنفسكم قبل أن تقادوا وتساقوا بغير اختياركم سوقا عنيفا . ثم قال « مَنْ لم يُعِنْه اللّه على نفسه حتى يجعل له منها واعظا وزاجرا لم ينفعه الزجر والوعظ من غيرها » . وقد روى : « واعلموا أ نّه مَنْ لم يعِن على نفسه » بكسر العين أي من لم يعِن الواعظين له والمنذرين على نفسه ، ولم يكن معهم إلْبا عليها وقاهرا لها ، لم ينتفع بالوعظ والزجر ؛ لأنّ هوى نفسه يغلِب وعظَ كلّ واعظ وزجر كل زاجر .

1.سورة ص ۲۳ .

  • نام منبع :
    تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1
    تعداد جلد :
    2
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1384
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 182650
صفحه از 712
پرینت  ارسال به