291
تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1

يُكَلِّفْهُمُ الْبَحْثَ عَنْ كُنْهِهِ رُسُوخاً ، فَاقْتَصِرْ عَلَى ذلِكَ ، وَلاَ تُقَدِّرْ عَظَمَةَ اللّهِ سُبْحَانَهُ عَلَى قَدْرِ عَقْلِكَ فَتَكُونَ مِنَ الْهَالِكِينَ .

الشّرْحُ :

تقول : ائتمّ فلان بفلان ؛ أي جعله إماما واقتدى به . فكِلْ علمه ؛ من وكلَه إلى كذا وكَلاً ووُكولاً ؛ وهذا الأمر موكول إلى رأيك . والاقتحام : الهُجُوم والدخول مغالبة . والسُّدد المضروبة : جمع سُدّة ؛ وهي الرِّتاج .
ثم نعود إلى تفسير كلام المؤمنين عليه السلام فنقول :
إنه غضِب وتغيّر وجهه لقول السائل : صِفْ لنا ربَّنا مثل ما نراه عياناً . ثم قال للسائل بعد غضبه واستحالة لونه وظهور أثر الإنكار عليه : ما دلَّك القرآنُ عليه من صفته فخُذْ به ، فإن لم تجده في الكتاب فاطلبه من السنّة ومن مذاهب أئمة الحق ، فإن لم تجد ذلك ، فاعلم أنّ الشيطان حينئذٍ قد كلّفك علمَ ما لم يكلفك اللّه علمه . ثم قال : إن الراسخين في العلم الذين غنوا بالإقرار بما عرفوه من الولوج والتقحّم فيما لم يعرفوه ، ألا ترى أنّهم يعللون أفعال اللّه تعالى بالحِكم والمصالح ، فإذا ضاق عليهم الأمر في تفصيل بعض المصالح في بعض المواضع ، قالوا : نعلم على الجملة أنّ لهذا وجْهَ حكمة ومصلحة ، وإن كنا لا نعرف تفصيل تلك المصلحة .
ثم إنه عليه السلام قد صَرّح في غُضونِ الكلام بذلك ؛ فقال : فانظر أيّها السائل ، فما دَلّك القرآن عليه من صفته فائتمّ به ، وما لم يدلك عليه فليس عليك أن تخوض فيه ، وهذا الكلام تصريحٌ بأنّ البحث إنما هو في النظر العقليّ في فَنّ الكلام ، فلا يجوز أن يحمل على ما هو بمعزل عنه .

الأصْلُ :

۰.هُوَ الْقَادِرُ الَّذِي إِذَا ارْتَمَتِ الأَوْهَامُ لِتُدْرِكَ مُنْقَطَعَ قُدْرَتِهِ . وَحَاوَلَ الْفِكْرُ الْمُبَرَّأُ مِنْ خَطَرَاتِ الْوَسَاوِسِ أَنْ يَقَعَ عَلَيْهِ فِي عَمِيقَاتِ غُيُوبِ مَلَكُوتِهِ ، وَتَوَلَّهَتِ الْقُلُوبُ إِلَيْهِ، لِتَجْرِيَ فِي كَيْفِيَّةِ صِفَاتِهِ ، وَغَمَضَتْ مَدَاخِلُ الْعُقُولِ فِي حَيْثُ لاَ تَبْلُغُهُ الصِّفَاتُ


تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1
290

اسم الأجسام الذائبة كالذهب والفضة والرصاص ونحوها . واللُّجَين : اسم الفضة جاء مُصغّرا ، كالكُمَيت والثريّا . والعِقْيان : الذهب الخالص ، ويقال : هو ما ينبت نباتا وليس مما يحصل من الحجارة . ونُثارة الدرّ : ما تناثر منه ، كالسُّقاطة والنُّخَالة ، وتأتي « فُعَالة » تارةً للجيِّد المختار ، وتارة للساقط المتروك ، فالأول نحو الخلاصة ، والثاني نحو القُلامة . وحصيد المَرْجان : كأنه أراد المتبدّد منه كما يتبدّد الحبّ المحصود ، ويجوز أن يعني به الصلْب المحكم ، من قولهم : « شيء مستحصَد » ، أيمستحصف مستحكم ، يعني أ نّه ليس برخو ولا هشّ ، ويروى : « وحَصْباء المرجان » ، والحصباء : الحصى . وأرض حَصِبة ومحصَبة ، بالفتح : ذات حَصْباء . والمرجان : صغار اللؤلؤ ؛ وقد قيل إنه هذا الحجر .
وتُنفده : تفنيه ، نفد الشيء أي فَنِيَ ، وأنفدته أنا . ومطالب الأنام : جمع مطلب ، وهو المصدر ، من طلبت الشيء طَلَبا ومطلبا . ويَغيضه ، بفتح حرف المضارعة : ينقصُه ؛ ويقال : غاضَ الماء ، فهذا لازم ، وغاض اللّه الماءَ ، فهذا متعدٍّ ؛ وجاء : أغاض اللّه الماء . والإلحاح : مصدر ألحّ على الأمر ، أي أقام عليه دائما ، من ألحّ السحاب ؛ إذا دام مطره ، وألحّ البعيرُ : حَرَن ، كما تقول : خَلأَتِ الناقة ، وروى « ولا يُبخِله » بالتخفيف ؛ تقول : أبخلت زيدا ، أي صادفته بخيلاً ؛ وأجبنته : وجدته جبانا .
وفي هذا الفصل من حسن الاستعارة وبديع الصنعة ما لا خفاء به .

الأصْلُ :

۰.فَانْظُرْ أَيُّهَا السَّائِلُ : فَمَا دَلَّكَ الْقُرْآنُ عَلَيْهِ مِنْ صِفَتِهِ فَائْتَمَّ بِهِ وَاسْتَضِئْ بِنُورِ هِدَايَتِهِ ، وَمَا كَلَّفَكَ الشَّيْطَانُ عِلْمَهُ مِمَّا لَيْسَ فِي الْكِتَابِ عَلَيْكَ فَرْضُهُ ، وَلاَ فِي سُنَّةِ النَّبِيِّصَلَّى اللّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَأَئِمَّةِ الْهُدَى أَثَرُهُ ، فَكِلْ عِلْمَهُ إِلَى اللّهِ سُبْحَانَهُ ، فَإِنَّ ذلِكَ مُنْتَهَى حَقِّ اللّهِ عَلَيْكَ .
وَاعْلَمْ أَنَّ الرَّاسِخِينَ فِي الْعِلْمِ هُمُ الَّذِينَ أَغْنَاهُمْ عَنِ اقْتِحَامِ السُّدَدِ الْمَضْرُوبَةِ دُونَ الْغُيُوبِ ، الاْءِقْرَارُ بِجُمْلَةِ مَا جَهِلُوا تَفْسِيرَهُ مِنَ الْغيْبِ الَْمحْجُوبِ ، فَمَدَحَ اللّهُ اعْتِرَافَهُمْ بِالْعَجْزِ عَنْ تَنَاوُلِ مَا لَمْ يُحِيطُوا بِهِ عِلْماً ، وَسَمَّى تَرْكَهُمُ التَّعَمُّقَ فِيَما لَمْ

  • نام منبع :
    تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1
    تعداد جلد :
    2
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1384
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 184570
صفحه از 712
پرینت  ارسال به