نِدَّلَكَ، وَكَأَنَّهُ لَمْ يَسْمَعْ تَبَرُّؤَ التَّابِعِينَ مِنَ الْمَتْبُوعِينَ إِذْ يَقُولُونَ : « تَاللّهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلاَلٍ مُبِينٍ * إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ» . كَذَبَ الْعَادِلُونَ بِكَ ، إِذْ شَبَّهُوكَ بِأَصْنَامِهِمْ ، وَنَحَلُوكَ حِلْيَةَ الْمَخْلُوقِينَ بِأَوْهَامِهمْ ، وَجَزَّأُوكَ تَجْزِئَةَ الْمُجَسَّمَاتِ بِخَوَاطِرِهِمْ ، وَقَدَّرُوكَ عَلَى الْخِلْقَةِ الُمخْتَلِفَةِ الْقُوَى ، بِقَرَائِحِ عُقُولِهِمْ .
وَأَشْهَدُ أَنَّ مَنْ سَاوَاكَ بِشَيْءٍ مِنْ خَلْقِكَ فَقَدْ عَدَلَ بِكَ ، وَالْعَادِلُ بِكَ كَافِرٌ بِمَا تَنَزَّلَتْ بِهِ مُحْكَمَاتُ آيَاتِكَ ، وَنَطَقَتْ عَنْهُ شَوَاهِدُ حُجَجِ بَيِّنَاتِكَ ، وَانَّكَ أَنْتَ اللّهُ الَّذِي لَمْ تَتَنَاهَ فِي الْعُقُولِ ، فَتَكُونَ في مَهَبِّ فِكْرِهَا مُكَيَّفاً ، وَلاَ فِي رَوِيَّاتِ خَوَاطِرِهَا فَتَكُونَ مَحْدُوداً مُصَرَّفاً .
الشّرْحُ :
حقاق المفاصل جمع حقّة ؛ وجاء في جمعها حِقاق وحقق وحقّ ؛ ولما قال : « بتباين أعضاء خلقك ، وتلاحم حقاق مفاصلهم » ؛ فأوقع التلاحمُ في مقابلة التباين صناعة وبديعا . وروي « المحتجّة » ، فمن قال : « المحتجّة » ، أراد أنّها بما فيها من لطيف الصنعة كالمحتجة المستدلة على التدبير الحكمي من لدنه سبحانه ، ومن قال : « المحتجبة » أراد المستترة ؛ لأنَّ تركيبها الباطن خفيّ محجوب . والنِدّ : المثل . والعادلون بك : الذين جعلوا لك عَدِيلاً ونظيرا. ونحلُوك : أعطوك ؛ وهي النِّحلة ، وروي : « لم يُعْقَد » على ما لم يسمّ فاعله . وغَيْب ضمِيره ، بالرفع . والقرائح : جمع قَرِيحة ، وهي القوة التي تستنبط بها المعقولات وأصلُه من قريحة البئر ، وهو أوّل مائها .
ومعنى هذا الفصل أنه عليه السلام شَهِد بأنّ المجسم كافر ، وأ نّه لا يعرف اللّه ، وأن من شبّه اللّه بالمخلوقين ذوي الأعضاء المتباينة ، والمفاصل المتلاحمة ، لم يعرفه ولم يباشر قلبه اليقين، فإنّه لا ندّ له ولا مِثْل ، ثم أكّد ذلك بآيات من كتاب اللّه تعالى وهي قوله تعالى : « فَكُبْكِبُوا فِيهَا هُمْ وَالْغَاوُون * وَجُنُودُ إبْلِيسَ أَجْمَعُونَ * قَالُوا وَهُمْ فِيهَا يَخْتَصِمُونَ * تَاللّهِ إنْ كُنَّا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ * إذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ »۱ . حكى سبحانه حكاية قول الكُفار في النار ؛ وهم التّابعون للذين