أغووهم من الشياطين وهم المتبوعون . لقد كنّا ضالين إذ سوّيناكم باللّه تعالى ، وجعلناكم مثله ، ووجه الحُجّة أنه تعالى حكى ذلك حكاية منكِرٍ على مَنْ زعم أن شيئا من الأشياء يجوز تسويته بالباري سبحانه ، فلو كان الباري سبحانه جسما مصوّرا ، لكان مشابها لسائر الأجسام المصوّرة ، فلم يكن لإنكاره على من سواه بالمخلوقات معنى .
ثم زاد عليه السلام في تأكيد هذا المعنى ، فقال : كذب العادلون بك ، المثبتون لك نظيرا وشبيها ، يعني المشبِّهة والمجسّمة ، إذ قالوا : إنّك على صورة آدم ، فشبّهوك بالأصنام التي كانت الجاهلية تعبدها ، وأعطوْك حلية المخلوقين لما اقتضت أوهامهم ذلك ، لم يألفوا أن يكون القادر الفاعل العالم إلاّ جسما ، وجعلوك مركّبا ومتجزئا ، كما تتجزّأ الأجسام ، وقدروك على هذه الخلقة ، يعني خلقة البشر المختلفة القُوى ؛ لأنها مركبة من عناصر مختلفة الطبائع . ثم كرّر الشهادة فقال : أشهد أنّ مَنْ ساواك بغيرك ، وأثبت أنك جوهرٌ أو جسم فهو عادل بك كافر .
وقوله : « في مهبّ فكرها » استعارة حسنة ، ثم قال : « ولا في رَوِيَّات خواطرها » ، أي في أفكارها . محدودا ، ذا حدّ مُصَرّفا ، أي قابلاً للحركة والتغير .
الأصْلُ :
۰.ومنها :قَدَّرَ مَا خَلَقَ فَأَحْكَمَ تَقْدِيرَهُ ، وَدَبَّرَهُ فَأَلْطَفَ تَدْبِيرَهُ ، وَوَجَّهَهُ لِوِجْهَتِهِ فَلَمْ يَتَعَدَّ حُدُودَ مَنْزِلَتِهِ ، وَلَمْ يَقْصُرْ دُونَ الاِْنْتِهَاءِ إِلى غَايَتِهِ ، وَلَمْ يَسْتَصْعِبْ إِذْ أُمِرَ بِالْمُضِيِّ عَلَى إِرَادَتِهِ ، فَكَيْفَ وَإِنَّمَا صَدَرَتِ الأمُورُ عَنْ مَشِيئَتِهِ ؟ الْمُنْشِئُ أَصْنَافَ الْأَشْيَاءِ بِلاَ رَوِيَّةِ فِكْرٍ آلَ إِلَيْهَا ، وَلاَ قَريحَةِ غَرِيزَةٍ أَضْمَرَ عَلَيْهَا ، وَلاَ تَجْرِبَةٍ أَفَادَهَا مِنْ حَوَادِثِ الدُّهُورِ ، وَلاَ شَرِيكٍ أَعَانَهُ عَلَى ابْتِدَاعِ عَجَائِبِ الْأُمورِ ، فَتَمَّ خَلْقُهُ بِأَمْرِهِ ، وَأَذْعَنَ لِطَاعَتِهِ ، وَأَجَابَ إِلى دَعْوَتِهِ ، لَم يَعْتَرِضْ دُونَهُ رَيْثُ الْمُبْطِئِ ، وَلاَ أَنَاةُ الْمُتَلَكِّئِ ، فَأَقَامَ مِنَ الْأَشْيَاءِ أَوَدَهَا ، وَنَهَجَ حُدُودَهَا ، وَلاَءَمَ بِقُدْرَتِهِ بَيْنَ مُتَضَادِّهَا ، وَوَصَلَ أَسْبَابَ قَرَائِنِهَا ، وَفَرَّقَهَا أَجْنَاساً مُخْتَلِفَاتٍ فِي الْحُدُودِ وَالْأَقْدَارِ ، وَالْغرَائِزِ