وَنَادَاهَا بَعْدَ إِذْ هِيَ دُخَانٌ ، فَالْتَحَمَتْ عُرَى أَشْرَاجِهَا وَفَتَقَ بَعْدَ الاِرْتِتَاقِ صَوَامِتَ أَبْوَابِهَا ، وَأَقَامَ رَصَداً مِنَ الشُّهُبِ الثَّوَاقِبِ عَلَى نِقَابِهَا ، وَأَمْسَكَهَا مِنْ أَنْ تَمُورَ فِي خَرْقِ الْهَوَاءِ بِأَيْدِهِ ، وَأَمَرَهَا أَنْ تَقِفَ مُسْتَسْلِمَةً لِأَمْرِهِ ، وَجَعَلَ شَمْسَهَا آيَةً مُبْصِرَةً لِنَهَارِهَا ، وَقَمَرَهَا آيَةً مَمْحُوَّةً مِنْ لَيْلِهَا ، وَأَجْرَاهُمَا فِي مَنَاقِلِ مَجْرَاهُمَا ، وَقَدَّرَ سَيْرَهُمَا فِي مَدَارِجِ دَرَجِهِمَا ، لُِيمَيِّزَ بَيْنَ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ بِهِمَا ، وَلِيُعْلَمَ عَدَدُ السِّنِينَ والْحِسَابُ بِمَقَادِيرِهِمَا ، ثُمَّ عَلَّقَ فِي جَوِّهَا فَلَكَهَا ، وَنَاطَ بِهَا زِينَتَهَا ، مِنْ خَفِيَّاتِ دَرَارِيِّهَا ، وَمَصَابِيحِ كَوَاكِبِهَا ، وَرَمَى مُسْتَرِقِي السَّمْعِ بِثَوَاقِبِ شُهُبِهَا ، وَأَجْرَاها عَلَى أَذْلاَلِ تَسْخِيرِهَا مِنْ ثَبَاتِ ثَابِتِهَا ، وَمَسِيرِ سَائِرِهَا ، وهُبُوطِهَا وَصُعُودِهَا ، وَنُحُوسِهَا وَسُعُودِهَا.
الشّرْحُ :
الرَّهَوات : جمع رَهْوة ، وهي المكان المرتفع والمنخفض أيضا ، يجتمِعُ فيه ماءُ المطر ، وهو من الأضداد . والفُرَج : جمع فُرْجة ، وهي المكان الخالي . ولاحم : ألصق . والصَّدْع : الشَّقّ . ووَشّجَ ، بالتشديد ، أي شبك . ووشجَت العروقُ والأغصان ، بالتخفيف : اشتبكت ، وبيننا رحم واشِجة ، أي مشتبكة . وأزواجها : أقرانها وأشباهها ، قال تعالى : « وَكُنْتُمْ أزْوَاجا ثَلاَثَةً »۱ ، أي أصنافا ثلاثة . والحُزونة : ضدّ السّهولة . وأشراجُها : جمع شَرْج ؛ وهو عُرَا العَيْبة ؛ وأشرجتُ العيبة ، أي أقفلت أشراجَها ، وتسمى مجرّة السماء شَرْجاً ؛ تشبيها بشَرْج العيْبة ؛ وأشراج الوادي : ما انفسح منه واتسع . والإرتاق : الارتتاج . والنقاب : جمع نَقْب ؛ وهو الطريق في الجبل . وتمُور : تتحرّك وتذهب وتجيء ؛ قال تعالى : « يَوْمَ تَمُورُ السَّمَاءُ مَوْرا »۲ والأيْدُ : القوة . ونَاطَ بها : عَلّق . والدّراريّ : الكواكب المضيئة ، نسبت إلى الدُّرّ لبياضها ؛ واحدها دُرِّيّ ، ويجوز كسر الدال ، مثل بحر لُجيّ ولِجيّ . والثواقب : المضيئات .