301
تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1

وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً » 1 .
ثم ذكر الحكم في جَرَيان الشمس والقمر في مجراهما تذكرةً مأخوذ من قوله تعالى : « وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا » 2 وقوله : « وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ » ، وقوله : « وَلِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالحِسَابَ » 3 . ثم قال : « ثم علّق في جَوّها فَلَكها » ، وهذا يقتضي أنّ الفلك غير السماء ، وهو خلاف قول الجمهور ، وقد قال به قائلون ، ويمكن أن نفسر ذلك إذا أردنا موافقة قول الجمهور بأنّه أراد بالفلَك دائرة معدّل النهار ، فإنّها الدائرة العظمى في الفَلَك الأعظم ،وهي في الاصطلاح النظريّ تسمى فَلَكا .
ثم ذكر أ نّه زيّن السماء الدنيا بالكواكب ، وأنّها رجوم لمسترِقِي السمع ، وهو مأخوذ من قوله تعالى : « إنَّا زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ * وَحِفْظا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ مَارِدٍ * لاَ يَسَّمَّعُونَ إلَى المَلإِ الأَعْلى وَيُقْذَفُونَ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ * دُحُورا وَلَهُمْ عَذَابٌ وَاصِبٌ » 4 . ثم شرح حال الدنيا فقال : « من ثبات ثابتها » ، يعنى الكواكب التي في كُرة البروج و « مسير سائرها » ، يعني الخمسة والنيّرين لأنّها سائرة دائما .
ثم قال : « وصعودها وهبوطها » ، وذلك أنّ للكواكب السيارة صعودا في الأوج ، وهبوطا في الحضيض ، فالأوّل هو البعد الأبعد عن المركز ، والثاني البعد الأقرب .
فإن قلت : ما باله عليه السلام قال : « ونحوسها وسعودها » ، وهو القائل لمن أشار عليه ألاّ يحارب في يوم مخصوص : « المنجّم كالكاهن ، والكاهن كالساحر ، والساحر كالكافر ، والكافر في النار » 5 ؟
قلت : إنه عليه السلام إنما أنكر في ذلك القول عَلَى مَنْ يزعم أن النجوم مؤثّرة في الأُمور الجزئيّة ، كالذين يحكمون لأرباب المواليد وعليهم ، وكمن يحكم في حَرْب أو سلم ، أو سفر أو مقام ، بأنه للسعد أو النحس ، وأنه لم ينكر على من قال : إنّ النجوم تؤثّر سعودا ونحوسا في الأُمور الكلية ، نحو أن تقتضي حَرّا أو بردا ، أو تدلّ على مرض عامّ أو قحط عام ، أو مطر دائم ،

1.سورة الإسراء ۱۲ .

2.سورة يس ۳۸ ، ۳۹ .

3.سورة يونس ۵ .

4.سورة الصافّات ۶ ـ ۹ .

5.مرّ في الخطبة ۷۸ قاله عليه السلام لما عزم على المسير إلى الخوارج .


تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1
300

وتقول : إفعل ما أمرتُك على أذْلاله ، أي على وجهه ؛ ودَعْه في أذْلاله ؛ أي على حاله ، وأُمور اللّه جارية على أذلالها ؛ أي على مجاريها وطرقها .
يقول عليه السلام : كانت السماء أوّل ما خلقت غير منتظمة الأجزاء ، بل بعضُهَا أرفعُ وبعضها أخفَض ، فنظمها سبحانه ، فجعلها بسيطاً واحداً ، نظْما اقتضتْه القدرة الإلهية ؛ من غير تعليق ، أي لا كما ينظم الإنسانُ ثوبا مع ثوب ، أو عِقْدا مع عِقْد ، بالتعليق والخياطة ، وألصق تلك الفروجَ والشُّقُوق ، فجعلها جسما متصلاً ، وسطحا أملس لا نتوّات فيه ولا فُرج ولا صُدوع ، بل جعلَ كلَّ جزء منها ملتصقا بمثله ، وذلك للملائكة الهابطين بأمرِه ، والصاعدين بأعمال خلقه ـ لأنهم الكَتَبة الحافظون لها ـ حُزُونة العُروج إليها ، وهو الصعود .
ثم قال : « ونادَاها بعد إذْ هي » روي بإضافة « بَعْد » إلى « إذ » وروي بضمّ « بعد » ، أي وناداها بعد ذلك إذ هي دخان ؛ والأول أحسن وأصوب ؛ لأنها على الضمّ تكون دُخانا بعد نظمه رَهَوات فروجِها وملاحمة صدوعها ؛ والحال تقتضي أنّ دخانها قبل ذلك لا بعده .
فإن قلت : ما هذا النداء ؟ قلت : هو قوله : « ائْتِيَا طَوْعا أوْ كَرْها » 1 ، فهو أمر في اللفظ ونداء في المعنى ، وهو على الحقيقة كناية عن سرعة الإبداع . ثم قال : وفَتَق بعد الارتتاق صوامتَ أبوابها ، هذا صريح في أنّ للسماء أبوابا ، وكذلك قوله : « على نقابها » ، وهو مطابق لقوله سبحانه وتعالى : « لاَ تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ » 2 والقرآن العظيم وكلام هذا الإمام المعظّم أولى بالاتباع من كلام الفلاسفة ، الذين أحالوا الخرق على الفلك . وأمّا إقامة الرصد من الشُّهب الثواقب ، فهو نص القرآن العزيز « وَأَنَّا لَمَسْنَا السَماءَ فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَسا شَدِيدا وَشُهُبا * وَأنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِد لِلسَّمْعِ فَمَنْ يَسْتَمِعِ الآنَ يَجدْ لَهُ شِهابا رَصَدا » 3 : والقول بإحراق الشهب للشياطين اتباعا لنص الكتاب أولى من قول الفلاسفة الذين أحالوا الانقضاض على الكواكب .
ثم قال : وأمْسَكها على الحركة بقوته ، وأمرها بالوقوف فاستمسكت ووقفت . ثم ذكْره الشمس والقمر تذكرةً مأخوذ من قول اللّه تعالى : « وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ

1.سورة فصّلت ۱۱ .

2.سورة الأعراف ۴۰ .

3.سورة الجنّ ۸ ، ۹ .

  • نام منبع :
    تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1
    تعداد جلد :
    2
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1384
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 184406
صفحه از 712
پرینت  ارسال به