ونحو ذلك من الأُمور التي لا تخصّ إنسانا بعينه ، وقد قدمنا في ذلك الفصل ما يدل على تصويب هذا الرأي ، وإفساد ماعداه .
الأصْلُ :
۰.ومنها في صفة الملائكة :ثُمَّ خَلَقَ سُبْحَانَهُ لاِءِسْكَانِ سَموَاتِهِ ، وَعِمَارَةِ الصَّفِيحِ الأَعْلَى مِنْ مَلَكُوتِهِ ، خَلْقاً بَدِيعاً مِنْ مَلاَئِكَتِهِ ، وَمَلَأَ بهِمْ فُرُوجَ فِجَاجِهَا ، وَحَشَا بِهمْ فُتُوقَ أَجْوَائِها ، وَبَيْنَ فَجَوَاتِ تِلْكَ الْفُرُوجِ زَجَلُ الْمُسَبِّحِينَ مِنْهُمْ فِي حَظَائِرِ القُدْسِ ، وَسُتُرَاتِ الْحُجُبِ ، وَسُرَادِقَاتِ المجْدِ ، وَوَرَاءَ ذلِكَ الرَّجِيجِ الَّذِي تَسْتَكُّ مِنْهُ الْأَسْمَاعُ سُبُحَاتُ نُورٍ تَرْدَعُ الْأَبْصَارَ عَنْ بُلُوغِهَا ، فَتَقِفُ خَاسِئَةً عَلَى حُدُودِهَا .
وَأَنْشَأَهُمْ عَلَى صُوَرٍ مُخْتَلِفَاتٍ ، وَأَقْدَارٍ مُتَفَاوِتَاتٍ، أُولِي أَجْنِحَةٍ تُسَبِّحُ جَلاَلَ عِزَّتِهِ ، لاَ يَنْتَحِلُونَ مَا ظَهَرَ فِي الْخَلْقِ مِنْ صُنْعِهِ ، وَلاَيَدَّعُونَ أَنَّهُمْ يَخْلُقُونَ شَيْئاً مَعَهُ مِمَّا انْفَرَدَ بِهِ ، «بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ * لاَ يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأمْرِهِ يَعْمَلُونَ»۱ جَعَلَهُمُ اللّه فِيَما هُنَالِكَ أَهْلَ الْأَمَانَةِ عَلَى وَحْيِهِ ، وَحَمَّلَهُمْ إِلى الْمُرْسَلِينَ وَدَائِعَ أَمْرِهِ وَنَهْيِهِ ، وَعَصَمَهُمْ مِنْ رَيْبِ الشُّبُهَاتِ ، فَمَا مِنْهُمْ زَائِغٌ عَنْ سَبِيلِ مَرْضَاتِهِ . وَأَمَدَّهُمْ بِفَوَائِدِ المَعُونَةِ ، وَأَشْعَرَ قُلُوبَهُمْ تَوَاضُعَ إِخْبَاتِ السَّكِينَةِ ، وَفَتَحَ لَهُمْ أَبْوَاباً ذُلُلاً إِلى تَمَاجِيدِهِ ، وَنَصَبَ لَهُمْ مَنَاراً وَاضِحَةً عَلَى أَعْلاَمِ تَوْحِيدِهِ ، لَمْ تُثْقِلْهُمْ مَوصِرَاتُ الآثَامِ وَلَمْ تَرْتَحِلْهُمْ عُقَبُ اللَّيَالِي وَالْأَيَّام ، وَلَمْ تَرْمِ الشُّكُوكُ بِنَوَازِعِهَا عَزِيمَةَ إِيمَانِهمْ ، وَلَمْ تَعْتَرِكِ الظُّنُونُ عَلَى مَعَاقِدِ يَقِينِهمْ ، وَلاَ قَدَحَتْ قَادِحَةُ الاْءِحَنِ فِيما بَيْنَهُمْ ، وَلاَ سَلَبَتْهُمُ الْحَيْرَةُ مَا لاَقَ مِنْ مَعْرِفَتِهِ بِضَمَائِرِهمْ ، وَمَا سَكَنَ مِنْ عَظَمَتِهِ وَهَيْبَةِ جَلاَلَتِهِ فِي أَثْنَاءِ صُدُورِهمْ ، وَلَمْ تَطْمَعْ فِيهِمُ الْوَسَاوِسُ فَتَقْتَرِعَ بِرَيْنِهَا عَلى فِكْرِهمْ .