305
تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1

أيضا ، والنسبة إليه قُدْسيّ ومقدسيّ . والسُتُرات : جمع سُتْرة . والرجيج : الزلزلة والاضطراب ؛ ومنه ارتجّ البحر . وتستَكّ الأسماع : تنسدّ . سُبُحات النور ، بضم الشين والباء : عبارة عن جلالة اللّه تعالى وعظمته . وتَرْدَع الأبصار تكفّها . وخاسئة ، أي سادرة ، ومنه : « يَنْقَلِب إلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِئا وَهُوَ حَسيرٌ »۱ ، وخَسَأ بصرُه ، خسْأ وخُسوءاً ، أي سَدِر ۲ .
وقوله : « على حدودها » أي تقف حيث تنتهي قوّتها ، لأنّ قوتها ؛ متناهية ، فإذا بلغتْ حدّها وقفت . وقوله : « أُولِي أجْنِحَةٍ » من الألفاظ القرآنية . وقوله : « لا ينتحلون ما ظهر في الخلق من صنعه » ، أي لا يدّعون الإلهيّة لأنفسهم ، وإن كان قوم من البشر يدّعونها لهم . وقوله : « لا يدّعون أنهم يخلُقون شيئا معه مما انفرد به » .
وأمّا الآيات المقدسة ، فالرواية المشهورة « مُكْرَمون » وقرئ : « مُكَرَّمُون » بالتشديد ، وقرئ « لا يسبُقونه » بالضم ، والمشهور القراءة بالكسر ، والمعنى أنّهم يتبعون قوله ، ولا يقولون شيئا حتى يقوله ، فلا يسبق قولهم قولَه ، وأراد أن يقول : « لا يسبقونه بقولهم » ، فحذف الضمير المضاف إليه ، وأناب اللاّم منابه . ثم قال : « وهم بأمره يعملون » ؛ أي كما أنّ قولهم تابع لقوله ؛ فعملهم أيضا كذلك فَرْعٌ على أمره ، لا يعملون عملاً ما لم يؤمروا به .
والزائغ : العادل عن الطريق ، والإخبات : التذلّل والاستكانة . وأبوابا ذُلُلاً ، أي سهلة وطيئة ، ومنه : دَابَّةٌ ذَلُول ؛ وتماجيده : الثناء عليه بالمجد . والمؤصِرات : المثقِلات ، والإصْر : الثقل . وتقول : « ارتحلتُ » البعير ، أي ركبته ، والعَقَبة : النوْبة ، والجمع عُقَب . ومعنى قوله : « ولم ترتحلهم عُقَب الليالي والأيام » ، أي لم تؤثّر فيهم نوبات الليالي والأيام وكرورها ، كما يؤثر ارتحال الإنسان البعير في ظهره . ونوازعها : شهواتها النازعة المحرّكة ، وروي : « نوازغها » بالغين المعجمة ، من نَزَع بينهم ، أي أفسد . ولم تعترك الظنون ، أي لم تزدحم الظنون على يقينهم الذي عقدوه . والإحَن : جمع إحْنَة ، وهي الحقد ، يقول : لم تقدح قوادح الحِقْد في ضمائرهم .
وما لاق ، أي ما التصق ، وأثناء صدورهم : جمع ثِنْى وهي التضاعيف . والرّيْن : الدّنَس والغلبة ، قال تعالى : « كَلاَّ بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ »۳ . وتقترع ، من الاقتراع بالسهام ، بأنْ يتناول

1.سورة الملك ۴ .

2.سَدِر : كلّ وأعيا .

3.سورة المطففين ۱۴ .


تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1
304

السَّمَاءِ مَوْضِعُ إِهَابٍ إِلاَّ وَعَلَيْهِ مَلَكٌ سَاجِدٌ ، أَوْ سَاعٍ حَافِدٌ ، يَزْدَادُونَ عَلَى طُولِ الطَّاعَةِ بِرَبِّهمْ عِلْماً ، وَتَزْدَادُ عِزَّةُ رَبِّهِمْ فِي قُلُوبِهِمْ عِظَماً .

الشّرْحُ :

هذا موضع المثل : « إذا جاء نهرُ اللّه بطل نهر مَعْقِل » ! إذا جاء هذا الكلام الربّانيّ ، واللفظ القدسيّ ، بطلَتْ فصاحة العرب ، وكانت نسبة الفصيح من كلامها إليه ، نسبةَ التراب إلى النُّضَار الخالص ؛ ولو فرضنا أنّ العرب تقدِرُ على الألفاظ الفصيحة المناسبة ، أو المقاربة لهذه الألفاظ ، من أين لهم المادّة التي عبَّرت هذه الألفاظ عنها ؟ ومن أين تعرف الجاهليّة بل الصحابة المعاصرُون لرسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم هذه المعاني الغامضة السمائيّة ؛ ليتهيّأ لها التعبير عنها .
فالكلام في الملائكة وصفاتها ، وصُورها وعباداتها ، وتسبيحِها ومعرفتِها بخالقها وحبّها له ، ووَلهها إليه ، وما جرى مجرى ذلك مما تضمّنه هذا الفصل على طوله ، فإنه لم يكن معروفا عندهم على هذا التفصيل ؛ وأُقسم أنّ هذا الكلام إذا تأمّله اللبيب اقشعرّ جلده ، ورجَفَ قلبُه ، واستشعر عظمةَ اللّه العظيم في رَوْعه وخَلده ، وهام نحوه وغلب الوجد عليه ، وكاد أن يخرج من مُسْكه شوقا ، وأن يفارق هيكله صَبابةً ووجدا .
ثم نعود إلى التفسير فنقول :
الصّفيح الأعلى : سطح الفَلَك الأعظم ؛ ويقال لوجه كلّ شيء عريض : صفيح وصَفْحَة . والفُروج : الأماكن الخالية والفِجاج : جمع فَجّ ، والفَجّ : الطريق الواسع بين جبلين أو حائطين ، وأجوائها : جمع جَو ، وهو ما اتّسع من الأودية ، ويقال لما بين السماء والأرض جَوّ ، ويروى : « أجوابها » ، جمع جَوْبة ، وهي الفُرْجة في السحاب وغيره ، ويروى : « أجْوَازها » جمع جَوْز ، وهو وَسَط الشيء . والفجوات : جمع فَجْوة ، وهي الفُرْجة بين الشيئين ؛ تقول منه : تفاجَى الشيء ، إذا صار له فَجْوة ، ومنه الفُجاء ؛ وهو تباعُد ما بين عُرْقوبَيِ البعير . والزَّجَل : الصوت . وحظائر القدس : لفظة وردت في كلام رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم ، وأصل « الحظيرة » ما يعمل شبْه البيت للإبل من الشجر ليقيها البرد ؛ فسمَّى عليه السلام تلك المواطن الشريفة المقدّسة العالية التي فوق الفلك حَظَائر القدس ، والقُدْسُ بتسكين الدال وضمها : الطُّهر ، والتقديس : التطهير ، وتقدّس : تطهّر . والأرض المقدّسة المطهّرة ، وبيت المقدس

  • نام منبع :
    تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1
    تعداد جلد :
    2
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1384
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 184403
صفحه از 712
پرینت  ارسال به