السَّمَاءِ مَوْضِعُ إِهَابٍ إِلاَّ وَعَلَيْهِ مَلَكٌ سَاجِدٌ ، أَوْ سَاعٍ حَافِدٌ ، يَزْدَادُونَ عَلَى طُولِ الطَّاعَةِ بِرَبِّهمْ عِلْماً ، وَتَزْدَادُ عِزَّةُ رَبِّهِمْ فِي قُلُوبِهِمْ عِظَماً .
الشّرْحُ :
هذا موضع المثل : « إذا جاء نهرُ اللّه بطل نهر مَعْقِل » ! إذا جاء هذا الكلام الربّانيّ ، واللفظ القدسيّ ، بطلَتْ فصاحة العرب ، وكانت نسبة الفصيح من كلامها إليه ، نسبةَ التراب إلى النُّضَار الخالص ؛ ولو فرضنا أنّ العرب تقدِرُ على الألفاظ الفصيحة المناسبة ، أو المقاربة لهذه الألفاظ ، من أين لهم المادّة التي عبَّرت هذه الألفاظ عنها ؟ ومن أين تعرف الجاهليّة بل الصحابة المعاصرُون لرسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم هذه المعاني الغامضة السمائيّة ؛ ليتهيّأ لها التعبير عنها .
فالكلام في الملائكة وصفاتها ، وصُورها وعباداتها ، وتسبيحِها ومعرفتِها بخالقها وحبّها له ، ووَلهها إليه ، وما جرى مجرى ذلك مما تضمّنه هذا الفصل على طوله ، فإنه لم يكن معروفا عندهم على هذا التفصيل ؛ وأُقسم أنّ هذا الكلام إذا تأمّله اللبيب اقشعرّ جلده ، ورجَفَ قلبُه ، واستشعر عظمةَ اللّه العظيم في رَوْعه وخَلده ، وهام نحوه وغلب الوجد عليه ، وكاد أن يخرج من مُسْكه شوقا ، وأن يفارق هيكله صَبابةً ووجدا .
ثم نعود إلى التفسير فنقول :
الصّفيح الأعلى : سطح الفَلَك الأعظم ؛ ويقال لوجه كلّ شيء عريض : صفيح وصَفْحَة . والفُروج : الأماكن الخالية والفِجاج : جمع فَجّ ، والفَجّ : الطريق الواسع بين جبلين أو حائطين ، وأجوائها : جمع جَو ، وهو ما اتّسع من الأودية ، ويقال لما بين السماء والأرض جَوّ ، ويروى : « أجوابها » ، جمع جَوْبة ، وهي الفُرْجة في السحاب وغيره ، ويروى : « أجْوَازها » جمع جَوْز ، وهو وَسَط الشيء . والفجوات : جمع فَجْوة ، وهي الفُرْجة بين الشيئين ؛ تقول منه : تفاجَى الشيء ، إذا صار له فَجْوة ، ومنه الفُجاء ؛ وهو تباعُد ما بين عُرْقوبَيِ البعير . والزَّجَل : الصوت . وحظائر القدس : لفظة وردت في كلام رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم ، وأصل « الحظيرة » ما يعمل شبْه البيت للإبل من الشجر ليقيها البرد ؛ فسمَّى عليه السلام تلك المواطن الشريفة المقدّسة العالية التي فوق الفلك حَظَائر القدس ، والقُدْسُ بتسكين الدال وضمها : الطُّهر ، والتقديس : التطهير ، وتقدّس : تطهّر . والأرض المقدّسة المطهّرة ، وبيت المقدس