307
تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1

تقسّمتهم وفَرْقتهم ؛ ومنه قيل للمنية شَعوب ، أي مفرّقة . وأخياف الهمم ، أي الهمم المختلفة ، وأصله من الخَيْف ، وهو كَحل إحدَى العينين دون الأُخرى ، ومنه المثل : الناس أخْيَاف ، أي مختلفون ، والإهاب : الجِلْد . والحافد : المسرع ، ومنه الدعاء : اللهمّ إليك نَسْعى ونحفِد .
واعلم أ نّه عليه السلام إنما كَرّر وأكّد صفاتهم بما وصفهم به ؛ ليكون ذلك مثالاً يحتذِي عليه أهل العرفان من البشر ؛ فإنّ أعْلى درجات البشر أن يتشبّه بالملكَ . وخلاصة ذلك أُمور :
منها العبادة القائمة .
ومنها ألاّ يدّعي أحدٌ لنفسه الحوْل والقوة ، بل لا حولَ ولا قوّة .
ومنها أن يكون متواضعا ذا سكينة ووقار .
ومنها أن يكون ذا يقين لا تقدَحُ فيه الشكوك والشبهات .
ومنها ألاّ يكون في صدره إحْنة على أحد من الناس .
ومنها شِدّة التعظيم والهيبة لخالق الخلق ، تبارك اسمه .
ومنها أنْ تستفرغه أشغال العبادة له عن غيرها من الأشغال .
ومنها أ نّه لا تتجاوز رغباتُه ممّا عند اللّه تعالى إلى ما عند غيره سبحانه .
ومنها أن يعقد ضميرَه وقلبَه على محبة اللّه تعالى ، ويشرب بالكأس الروِيّة من حبِّه .
ومنها عِظَم التقوى بحيث يأمن كلّ شيء عدا اللّه ، ولا يهاب أحدا إلا اللّه .
ومنها الخشوع والخضوع والإخبات والذلّ لجلال عزته سبحانه .
ومنها ألاّ يستكثر الطاعة والعمل ، وإنْ جَلّ وعَظُم .
ومنها عِظَمُ الرجاء الواقع في مقابلة عظم الخوف ؛ فإنّ اللّه تعالى يحبّ أن يُرْجَى ، كما يحب أن يُخاف .

الأصْلُ :

۰.ومنها في صفة الأرض ودحوها على الماء :كَبَسَ الْأَرْضَ عَلَى مَوْرِ أَمْوَاجٍ مُسْتَفْحِلَةٍ ، وَلُجَجِ بِحَارٍ زَاخِرَةٍ ، تَلْتَطِمُ أَوَاذِيُّ أَمْوَاجِهَا ، وَتَصْطَفِقُ مُتَقَاذِفَاتُ أَثْبَاجِها ، وَتَرْغُو زَبَداً كَالْفُحُولِ عِنْدَ هِيَاجِهَا ، فَخَضَعَ


تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1
306

كلٌّ من الوساوس عليها . ويروى : « فيفترع » بالفاء ، أي تعلو بريْنها ، فَرَعه ، أي علاه . والغمام : جمع غمامة ، وهي السحابة . والدُّلّح : الثِّقال ، جاء يدْلح بجَملِه ، أي جاء مثقلاً به . والجبال الشُّمّخ : العالية الشاهقة .
وقوله : « في قَتْرة الظلام » ، أي سواده . والأيْهم : لا يهتدَى فيه ، ومنه فلاةَ يهْماء . والتُّخُوم ، بضم التاء : جمع تَخْم وهو منتهى الأرض أو القرية ، مثل فَلْس وفلوس ، ويروى : « تَخُوم » بفتح التاء على أنّها واحد ، والجمع تُخُم مثل صَبُور وصُبُر . وريح هَفّافة ، أي ساكنةَ طيّبة ، يقول : كأنّ أقدامهم التي خرقتِ الهواء إلى حضيض الأرض رايات بيض تحتها ريح ساكنة ليست مضطربة ؛ فتموج تلك الرايات ! بل هي ساكنة تحبسها حيث انتهت . ثم قال : « قد استفرغتْهم أشغال عبادته تعالى » أي جعلَتْهم فارغين إلاّ منها . ويروى : « ووسّلت حقائق الإيمان » ، بالسين المشددة ، يقال : وسَّل فلان إلى رَبّه وسيلة ، والوسيلة ما يتقرب به ، والجمع وسيل ووسائل ، ويقال : وسلتُ إليه وتوسلت إليه بمعنىً . وسويداوات القلوب : جمع سويداء ، وهي حَبّة القلب . والوشيجة في الأصل : عرق الشَّجرة ، وهي هنا استعارة . وَحَنْيتُ ضلْعي ، أي عوجتها . والرِّبقَ : جمع رِبْقة ، وهي الحبل .
قوله : « ولم يتولَّهم الإعجاب » ؛ أي لم يستوْل عليهم . والدؤوب : الجدّ والاجتهاد . والأسَلاَت : جمع أسَلة ، وهي طرف اللسان ومستدقّه ، والجُؤار : الصَّوْت المرتفع ، والهَمْس : الصوت الخفيّ ، يقول : ليست لهم أشغال خارجة عن العبادة ، فيكون لأجلها أصواتُهم المرتفعة خافية ساكنة . لا تعدُو ، من عَدَا عليه ، إذا قهره وظلمه ، وهو هاهنا استعارة . ولا تنتضل الخدائع في هممهم ؛ استعارة أيضا من النّضال ، وهو المراماة بالسهام . وذو العرش : هو اللّه تعالى ، وهذه لفظة قرآنية ؛ قال سبحانه : « إذا لاَبْتَغَوْا إلَى ذِي الْعَرْشِ سَبِيلاً» ، يعني لابتغوا إلى اللّه تعالى سبيلاً ، وقال تعالى : « ذُو العَرْش الْمَجِيد * فَعّالٌ لِمَا يُرِيدُ»۱ ، والاستهتار : مصدر استهتر فلان بكذا ، أي لازمه وأولع به .
وقوله : « فيَنُوا » أي فيضعفوا ؛ وِني : ينِي . والجِدّ : الاجتهاد والانكماش . ثم قال : إنهم لا يستعظمون عبادتهم ، ولو أنّ أحدا منهم استعظم عبادَته لأذهب خوفُه رجاءه الذي يتولّد من استعظام تلك العِبادة ؛ يصفهم بعظم التقوى . والاستحواذ : الغَلبة ، والغِلّ : الحِقْد ، وتشعّبتهم :

1.سورة البروج ۱۵ ، ۱۶ .

  • نام منبع :
    تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1
    تعداد جلد :
    2
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1384
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 184396
صفحه از 712
پرینت  ارسال به