309
تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1

الشّرْحُ :

كَبَس الأرض ، أي أدخلها في الماء بقوة واعتماد شديد ؛ ويقال لضربٍ من التمر : الكَبِيس ؛ لأ نّه يكبَس حتى يتراصّ . والموْر : مصدر « مار » أي ذهب وجاء . ومستفحلة : هائجة هَيَجان الفحول . واستفحل الأمر : تفاقم واشتدّ . وزاخرة ، زخر الماء أي امتدّ جدّا وارتفع . والأواذيّ : جمع آذيّ ، وهو الموج . وتصطفق : يضرب بعضها بعضا . والأثباج هاهنا : أعالي الأمواج ، وأصل الثَّبَج ، مابين الكاهل إلى الظهر . وترغو : تصوّت صوت البعير ، والرغاء : صوت ذات الخُفّ ؛ وزَبَدا على هذا منصوب بفعل مقدّر ، تقديره : وترغو قاذفةً زَبدا ، والزَّبَد : ما يظهر فوق السَّيْل ؛ يقال : قد أزبد البحر والسّيل ، وبحر مُزْبِد ، أي مالح يقذف بالزبد . والفحول عند هياجها : فحول الإبل إذا هاجت للضِّرَاب . وجماع الماء : صعودُه وغَلَيانه ، وأصله من جِماح الفَرَس ، وهو أن يعزّ فارسَه ويغلبه . والجَموح من الرجال : الذي يركَبُ هواه فلا يمكن ردّه . وَخَضَع : ذلّ . وهَيْج الماء : اضطرابه ، هاج هَيْجاً وهياجاً وهَيَجاناً ، واهتاج ، وتهيّج ، كلّه بمعنىً ، أي ثار ، وهاجَه غيرُه ، يتعدّى ولا يتعدّى . وهيْج ارتمائه ، يعني تقاذفه وتلاطمه ، يقال ارتمى القومُ بالسهام وبالحجارة ارتماءً . وكَلْكَلها : صدرها . والمستخذِي : الخاضع . وتمعّكت : تمرغت ، مستعار من تَمَعُّك الدابة في الأرض ، وقالوا : معكتُ الأديم ، أي دلكته . وكواهلها : جمع كاهل ؛ وهو ما بين الكِتفين ، ويسمى الحارِك . واصطخاب أمواجه : افتعال من الصَّخَب ، وهو الصياح والجَلَبة . والساجي : الساكن : والحَكَمة : ما أحاط من اللجام بحنَك الدابة ، وكانت العرب تتخذها من القِدّ والأبَق ؛ لأنّ الزينة لم تكن قصدهم . ومدحوّة : مبسوطة ، قال تعالى : « وَالأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا »۱ . ويجوز أن تكون « مدحوّة » هاهنا بمعنى مقذوفة مرميّة ، يقال : دحوتُ الحصاة أي قذفتُها ، ويقال للاعب الجوز : ادحُ وأبعد المدى . والتيّار : أعظم الموج . ولجّته : أعمقه . والبأو : الكِبْر والفخر . والاعتلاء : التِّيه والتكبّر . والشُّموخ : العلوّ ، مصدر شَمَخ بأنفه أي تكبَّر ، والجبال الشوامخ : الشاهقة . والسموّ : العلو ، وسمو غلوائه أي غلوّه وتجاوزه الحدّ . وكَعَمَتْه ، أي شدّدت فمه لما هاج ، من الكِعَام وهو شيء يجعل في فَم البعير ، وبعير مَكْعوم . والكِظّة : الجهد والثِّقل الذي يعتري الإنسان عند الامتلاء من الطعام ، يقول : كعمت الأرض

1.سورة النازعات ۳۰ .


تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1
308

جِمَاحُ الْمَاءِ الْمُتَلاَطِمِ لِثِقْلِ حَمْلِهَا ، وَسَكَنَ هَيْجُ ارْتِمَائِهِ إِذْ وَطِأَتْهُ بِكَلْكَلِهَا ، وَذَلَّ مُسْتَخْذِياً إِذْ تَمَعَّكَتْ عَلَيْهِ بِكَوَاهِلِهَا ، فَأَصْبَحَ بَعْدَ اصْطِخَابِ أَمْوَاجِهِ ، سَاجِياً مَقْهُوراً ، وَفِي حَكَمَةِ الذُّلِّ مُنْقَاداً أَسِيراً ، وَسَكَنَتِ الْأَرْضُ مَدْحُوَّةً فِي لُجَّةِ تَيَّارِهِ ، وَرَدَّتْ مِنْ نَخْوَةِ بَأْوِهِ ، وَاعْتِلاَئِهِ ، وَشُمُوخِ أَنْفِهِ وَسُمُوِّ غُلَوَائِهِ ، وَكَعَمَتْهُ عَلَى كِظَّةِ جَرْيَتِهِ ، فَهَمَدَ بَعْدَ نَزَقَاتِهِ ، وَلَبَدَ بَعْدَ زَيَفَانِ وَثَبَاتِهِ .
فَلَمَّا سَكَنَ هَيْجُ الْمَاءِ مِنْ تَحْتِ أَكْنَافِهَا ، وَحَمَلَ شَوَاهِقَ الْجِبَالِ الشُّمَّخِ الْبُذَّخِ عَلَى أَكْتَافِهَا ، فَجَّرَ يَنَابِيعَ الْعُيُونِ مِنْ عَرَانِينِ أُنُوفِهَا ، وَفَرَّقَهَا فِي سُهُوبِ بِيدِهَا وَأَخَادِيدِهَا ، وَعَدَّلَ حَرَكَاتِهَا بِالرَّاسِيَاتِ مِنْ جَلاَمِيدِهَا ، وَذَوَاتِ الشَّنَاخِيبِ الشُّمِّ مِنْ صَيَاخِيدِهَا ، فَسَكَنَتْ مِنَ الْمَيَدَانِ لِرُسُوبِ الْجِبَالِ فِي قِطَعِ أَدِيمِهَا ، وَتَغَلْغُلِهَا مُتَسَرِّبَةً فِي جَوْبَاتِ خَيَاشِيمِهَا ، وَرُكُوبِهَا أَعْنَاقَ سُهُولِ الْأَرَضِينَ وَجَرَاثِيمِهَا ، وَفَسَحَ بَيْنَ الْجَوِّ وَبَيْنَهَا ، وَأَعَدَّ الْهَوَاءَ مُتَنَسَّماً لِسَاكِنِهَا ، وَأَخْرَجَ إِلَيْهَا أَهْلَهَا عَلَى تَمَامِ مَرَافِقِها .
ثُمَّ لَمْ يَدَعْ جُرُزَ الْأَرْض الَّتي تَقْصُرُ مِيَاهُ الْعُيُونِ عَنْ رَوَابِيهَا ، وَلاَ تَجِدُ جَدَاوِلُ الْأَنْهَارِ ذَرِيعَةً إِلى بُلُوغِهَا ، حَتَّى أَنْشَأَ لَهَا نَاشِئَةَ سَحَابٍ تُحْيِي مَوَاتَهَا ، وَتَسْتَخْرِجُ نَبَاتَهَا . أَلَّفَ غَمَامَهَا بَعْدَ افْتِرَاق لُمَعِهِ ، وَتَبَايُنِ قَزَعِهِ ، حَتَّى إِذَا تَمَخَّضَتْ لُجَّةُ الْمُزْنِ فِيهِ ، وَالَْتمَعَ بَرْقُهُ فِي كُفَفِهِ ، وَلَمْ يَنَمْ وَمِيضُهُ فِي كَنَهْوَرِ رَبَابِهِ ، وَمُتَرَاكِمِ سَحَابِهِ ، أَرْسَلَهُ سَحّاً مُتَدَارِكاً ، قَدْ أَسَفَّ هَيْدَبُهُ ، يَمْرِي الْجَنُوبُ دِرَرَ أَهَاضِيبِهِ، وَدَفعَ شَآبِيبِهِ .
فَلَمَّا ألْقَتِ السَّحابُ بَرْكَ بِوَانَيْهَا ، وَبَعَاعَ مَا اسْتَقَلَّتْ بِهِ مِنَ الْعِبْ ءِ الَمحْمُولِ عَلَيْهَا ، أَخْرَجَ بِهِ مِنْ هَوَامِدِ الْأَرْض النَّبَاتَ ، وَمِنْ زُعْرِ الْجِبَالِ الْأَعْشَابَ ، فَهِيَ تَبْهَجُ بِزِينَةِ رِيَاضِهَا ، وَتَزْدَهِي بِمَا أُلْبِسَتْهُ مِنْ رَيْطِ ، أَزَاهِيرِهَا ، وَحِلْيَةِ مَا سُمِطَتْ بِهِ مِنْ نَاضِرِ أَنْوَارِهَا ، وَجَعَلَ ذلِكَ بَلاَغاً لِلْأَنَامِ ، وَرِزْقاً لِلْأَنْعَامِ ، وَخَرَقَ الْفِجَاجَ فِي آفَاقِهَا ، وَأَقَامَ المَنَارَ لِلسَّالِكِينَ عَلَى جَوَادِّ طُرُقِهَا .

  • نام منبع :
    تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1
    تعداد جلد :
    2
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1384
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 184286
صفحه از 712
پرینت  ارسال به