الأصْلُ :
۰.فَلَمَّا مَهَدَ أَرْضَهُ ، وَأَنْفَذَ أَمْرَهُ ، اخْتَارَ آدَمَ عليه السلام ، خِيرَةً مِنْ خَلْقِهِ ، وَجَعَلَهُ أَوَّلَ جِبِلَّتِهِ ، وَأَسْكَنَهُ جَنَّـتَهُ ، وَأَرْغَدَ فِيهَا أُكُلَهُ ، وَأَوْعَزَ إِلَيْهِ فِيَما نَهَاهُ عَنْهُ ، وَأَعْلَمَهُ أَنَّ فِي الاْءِقْدَامِ عَلَيْهِ التَّعَرُّضَ لِمْعصِيَتِهِ ، وَالْمُخَاطَرَةَ بِمَنْزِلَتِهِ؛ فَأَقْدَمَ عَلَى مَا نَهَاهُ عَنْهُ ـ مُوَافَاةً لِسَابِقِ عِلْمِهِ ، فَأَهَبَطَهُ بَعْدَ التَّوْبَةِ لِيَعْمُرَ أَرْضَهُ بِنَسْلِهِ ، وَلِيُقِيمَ الْحُجَّةَ بهِ عَلَى عِبَادِهِ ، ولَمْ يُخْلِهِمْ بَعْدَ أَنْ قَبَضَهُ ، مِمَّا يُؤكِّدُ عَلَيْهِمْ حُجَّةَ رُبُوبِيَّتِهِ ، وَيَصِلُ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَعْرِفَتِهِ ، بَلْ تَعَاهَدَهُمْ بِالْحُجَجِ عَلَى أَلْسُنِ الْخِيَرَةِ مِنْ أَنْبِيَائِهِ ، وَمُتَحَمِّلِي وَدَائِعِ رِسَالاَتِهِ ، قَرْناً فَقَرْناً؛ حَتَّى تَمَّتْ بِنَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ صلى الله عليه و آله وسلمحُجَّتُهُ ، وَبَلَغَ الْمَقْطَعَ عُذْرُهُ وَنُذُرُهُ .
الشّرْحُ :
مهد أرضه : سوّاها وأصلحها ، ومنه المهاد وهو الفراش ، ومَهَدْتُ الفراش ، بالتخفيف مَهْدا ، أي بسطته ووطّأته . وقوله : « خَيرة من خَلْقه » على « فِعَلة » ، مثل عِنَبَة ، الاسم من قولك : اختاره اللّه ؛ يقال محمد خِيَرَة اللّه من خلْقه ؛ ويجوز : « خِيرة اللّه » بالتسكين ، والاختيار : الاصطفاء . والجِبِلّة : الخَلْق ؛ ومنه قوله تعالى : « وَاتَّقُوا الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالْجِبِلَّةَ الْأَوَّلِينَ »۱ ، ويجوز « الجُبُلَّة » ، بالضم .
قوله : « وأرْغَدَ فيها أُكُله » ، أي جعل أُكُله ـ وهو المأكول ـ رغدا ، أي واسعا طيبا ، قال سبحانه : « وَكُلاَ مِنْهَا رَغَدا حَيْثُ شِئْتُمَا »۲ ، وتقرأ رُغداً ورِغداً بكسر الغين وضمها ، وأرغَدَ القومُ : أخصبوا ، وصاروا في رَغَدٍ من العيش .
قوله : « وأوعز إليه فيما نهاه عنه » ، أي تقدّم إليه بالإنذار ؛ ويجوز « وَعَّز إليه » بالتّشديد توعيزا ، ويجوز التخفيف أيضا وعز إليه وعْزا . والواو في « وأعلمه » عاطفة على « وأوعز » ، لا على « نهاه » .
قوله : « موافاة لسابق علمه » لا يجوز أن ينتصب ؛ لأ نّه مفعول له ، وذلك لأنّ المفعول له