تَسْفِي الْأَعَاصِيرُ بِذُيُولِهَا ، وَتَعْفُو الْأَمْطَارُ بِسُيُولِهَا ، وَعَوْمِ نَباتِ الْأَرض فِي كُثْبَانِ الرِّمَالِ ، وَمُسْتَقَرِّ ذَوَاتِ الْأَجْنِحَةِ بِذُرَا شَنَاخِيبِ الْجِبَالِ ، وَتَغْرِيدِ ذَوَاتِ الْمَنْطِقِ فِي دَيَاجِيرِ الْأَوْكَارِ ، وَمَا أَوْعَبَتْهُ الْأَصْدَافُ ، وَحَضَنَتْ عَلَيْهِ أَمْوَاجُ الْبِحَارِ ، وَمَا غَشِيَتْهُ سُدْفَةُ لَيْلٍ ، أَوْ ذَرَّ عَلَيْهِ شَارِقُ نَهَارٍ ، وَمَا اعْتَقَبَتْ عَلَيْهِ أَطْبَاقُ الدَّيَاجِيرِ ، وَسُبُحَاتُ النُّورِ؛ وَأَثَرِ كُلِّ خَطْوَةٍ ، وَحِسِّ كُلِّ حَرَكَةٍ ، وَرَجْعِ كُلِّ كَلِمَةٍ ، وَتَحْرِيكِ كُلِّ شَفَةٍ ، وَمُسْتَقَرِّ كُلِّ نَسَمَةٍ ، وَمِثْقَالِ كُلِّ ذَرَّةٍ ، وَهَمَاهِمِ كُلِّ نَفْسٍ هَامَّةٍ ، وَمَا عَلَيْهَا مِنْ ثَمَرِ شَجَرَةٍ ، أَوْ ساقِطِ وَرَقَةٍ؛ أَوْ قَرَارَةِ نُطْفَةٍ ، أَوْ نُقَاعَةِ دَمٍ وَمُضْغَةٍ ، أَوْ نَاشِئَةِ خَلْقٍ وَسُلاَلَةٍ؛ لَمْ يَلْحَقْهُ فِي ذلِكَ كُلْفَةٌ ، وَلاَ اعْتَرَضَتْهُ فِي حِفْظِ مَا ابْتَدَعَ مِنْ خَلْقِهِ عَارِضَةٌ ، وَلاَ اعْتَوَرَتْهُ فِي تَنْفِيذِ الأمُورِ وَتَدَابِيرِ المخلُوقِينَ مَلاَلَةٌ وَلاَ فَتْرَةٌ ، بَلْ نَفَذَهُمْ عِلْمُهُ ، وَأَحْصَاهُمْ عَدَدُهُ ، وَوَسِعَهُمْ عَدْلُهُ ، وَغَمَرَهُمْ فَضْلُهُ ، مَعَ تَقْصِيرِهِمْ عَنْ كُنْهِ مَا هُوَ أَهْلُهُ .
الشّرْحُ :
لو سمع النّضْر بن كنانة هذا الكلام لقال لقائله ما قاله عليّ بن العباس بن جُريج ، لإسماعيل بن بلبل :
قَالُوا أبو الصَّقْرِ مِنْ شَيْبَانَ قَلْتُ لَهُمْكَلاَّ ، وَلَكِنْ لَعَمْرِي مِنْهُ شَيْبَانُ
وكم أبٍ قَدْ عَلاَ بابنٍ ذُرا شَرَفٍكَمَا عَلاَ بِرَسُولِ اللّهِ عَدْنَانُ
إذ كان يفخر به على عدنان وقحطان ، بل كان يقرّ به عينُ أبيه إبراهيم خليل الرحمن ، ويقول له : إنه لم يُعْفِ ما شيّدْتُ من معالم التوحيد ، بل أخرج اللّه تعالى لك من ظهري ولدا ابتدع من علوم التوحيد في جاهلية العرب ما لم تبتدعْه أنت في جاهلية النَّبَط . بل لو سمع هذا الكلام أرسطو طاليس ، القائل بأنه تعالى لم يعلم الجزئيّات ؛ لشع قلبهُ وقَفّ شعرُه ، واضطربَ فكره ؛ ألا ترى ما عليه ( هذا الكلام ) من الرُّواء والمهابة ، والعظمة والفخامة ، والمتانة والجزالة ! مع ما قد أُشربَ من الحلاوة والطَّلاوة واللطف والسلاسة ؛ لا أرى كلاما