ومعنى قوله : « الآفاق قد أغامت ، والمحجّة قد تنكّرت » أن الشبهة قد استولتْ على العقول والقلوب ، وجهل أكثرُ الناس محجّة الحق أين هي ؛ فأنا لكم وزيرا عن رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم أفتِي فيكم بشريعته وأحكامه خيرٌ لكم مني أميرا محجورا عليه مدبّراً بتدبيركم ، فإني أعلم أنه لا قُدرة لي أن أسير فيكم بسيرة رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم في أصحابه مستقلاًّ بالتدبير ؛ لفساد أحوالكم ، وتعذّر صلاحكم .
وقد حمل بعضُهم كلامه على محمل آخر ، فقال : هذا كلام مُسْتزيد شاكٍ من أصحابه ؛ يقول لهم : دعوني والتمسوا غيري ، على طريق الضَّجر منهم ، والتبرّم بهم والتسخّط لأفعالهم ؛ لأنهم كانوا عَدَلوا عنه من قَبْل ، واختاروا عليه ، فلما طلبوه بعدُ أجابهم جوابَ المتسخّط العاتب .
وحمل قوم منهم الكلام على وجه آخر ، فقالوا : إنه أخرجه مخرج التهكّم والسّخرية ، أي أنا لكم وزيرا خيرٌ مني لكم أميراً فيما تعتقدونه ، كما قال سبحانه : « ذُقْ إنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ »۱ ، أي تزعم لنفسك ذلك وتعتقده .
92
الأصْلُ :
۰.أَمَّا بَعْدَ حَمْدِ اللّهِ ، وَالثَّنَاءِ عَلَيْهِ ؛ أَيُّهَا النَّاسُ ، فَإِنيِّ فَقَأتُ عَيْنَ الْفِتْنَةِ ، وَلَمْ يَكُنْ لِيَجْتَرِئَ عَلَيْهَا أَحَدٌ غَيْرِي بَعْدَ أَنْ مَاجَ غَيْهَبُهَا ، وَاشْتَدَّ كَلَبُهَا .
فَاسْأَلُونِي قَبْلَ أَنْ تَفْقِدُونِي ، فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لاَ تَسْأَلُونِي عَنْ شَيْءٍ فِيَما بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ السَّاعَةِ ، وَلاَ عَنْ فِئَةٍ تَهْدِي مائَة وَتُضِلُّ مائَة إِلاَّ أَنْبَأتُكُمْ بِنَاعِقِهَا وَقَائِدِهَا وَسَائِقِهَا ، وَمُنَاخِ رِكَابِهَا ، وَمَحَطِّ رِحَالِهَا ، وَمَنْ يُقْتَلُ مِنْ أَهْلِهَا قَتْلاً ، وَمَنْ يَمُوتُ مِنْهُمْ مَوْتاً .