325
تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1

الاستعارة ، وإنما قال : « ولم يكن ليجترئ عليها أحد غيري » ؛ لأنّ الناس كلَّهم كانوا يهابون قتال أهل القبلة ، ولا يعلمون كيف يقاتلونهم ، هل يتبعُون مولِّيهم أم لا ؟ وهل يُجْهِزُون على جريحهم أم لا ؟ وهل يقسمون فَيْأَهم أم لا ؟ وكانوا يستعظِمُون قتال مَنْ يؤذّن كأذاننا ، ويصلّي كصلاتنا ؛ واستعظموا أيضاً حربَ عائشة وحربَ طلحة والزبير ؛ لمكانهم في الإسلام .
والغيهب : الظلمة ؛ والجمع غياهب . وإنما قال : « بعد ما ماج غيهبها » ؛ لأ نّه أراد : بعد ما عَمّ ضلالُها فشمل ، فكنّى عن الضلال بالغيهب ، وكنّى عن العُموم والشمول بالتموّج ؛ لأنّ الظلمة إذا تموّجت شملت أماكن كثيرة غير الأماكن التي تشملها لو كانت ساكنة . واشتدَّ كَلَبُها ، أي شرّها وأذاها . ويقال للقحط الشديد : كَلَب ، وكذلك للقرّ الشديد .
ثم قال عليه السلام : « سلوني قبل أن تفقدوني » ، روى صاحب كتاب « الاستيعاب » محمد ابن عبد البر ، عَنْ جماعةٍ من الرواة والمحدّثين ، قالوا : لم يقلْ أحدٌ من الصحابة رضى الله عنه : « سَلُوني » إلاّ علي بن أبي طالب . وروى شيخنا أبو جعفر الإسكافي في كتاب « نقض العثمانية » عن علي بن الجَعْد ، عن ابن شُبْرمة ، قال : ليس لأحد من الناس أن يقول عَلَى المنبر : « سَلُوني » إلاّ عليّ بن أبي طالب عليه السلام . والفئة : الطائفة ، والهاء عوض من « الياء » التي نقصت من وسطه ، وأصله « فيء » ، مثال « فيع » ؛ لأ نّه من فاء ، ويجمع على فئات ، مثل شيات وهبات ولِدَات . وناعقها : الداعي إليها ، من نَعيق الرّاعِي بغنمه ؛ وهو صوته نعق ينعِق بالكسر نعيقا ؛ ونُعاقا ، أي صاح بها وزجرها . والركاب : الإبل ، واحدتها راحلة ؛ ولا واحد لها من لفظها ، وجمعها رُكُب ، مثل كتاب وكتب . والمُنَاخ ، بضم الميم . ومَحطّ ، بفتحها ، يجوز أن يكونا مصدرين ، وأنْ يكونا مكانين ؛ أمّا كونُ المُناخ مصدراً ، فلأنه كالمقام الذي بمعنى الإقامة ؛ وأما كون المحَطّ مصدراً ؛ فلأنه كالمردّ في قوله سبحانه : « وَأَنّ مَرَدَّنَا إلَى اللّهِ »۱ ، وأما كونُهما موضعين ؛ فلأنّ المناخ ، من أنخت الجمل ؛ وأما المحطّ ، فإنه كالمَقْتل موضع القتلِ ، يقال : مقتَل الرّجُل بين فكيه ، ويقال للأعضاء التي إذا أُصيب الإنسان فيها هلك : مَقاتل ؛ ووجه المماثلة كونهما مضمومي العين .
واعلم أنه عليه السلام قد أقسم في هذا الفصل باللّه الذي نفسه بيده ، أنّهم لا يسألونه عن أمر يحدث بينهم وبين القيامة إلاّ أخبرهم به ، وأ نّه ما صحّ من طائفة من الناس يهتدي بها مئة

1.سورة غافر ۴۳.


تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1
324

وَلَوْ قَدْ فَقَدْتُمُونِي وَنَزَلَتْ بِكُمْ كَرَائِهُ الْأُمُورِ ، وَحَوَازِبُ الْخُطُوبِ ، لَأَطْرَقَ كَثِيرٌ مِنَ السَّائِلِينَ ، وَفَشِلَ كَثِيرٌ مِنَ المَسْؤولِينَ ، وَذلِكَ إِذَا قَلَّصَتْ حَرْبُكُمْ ، وَشَمَّرَتْ عَنْ سَاقٍ ، وَكانَتِ الدُّنْيَا عَلَيْكُمْ ضِيقاً ، تَسْتَطِيلُونَ أَيَّامَ الْبَلاَءِ عَلَيْكُمْ ، حَتَّى يَفْتَحَ اللّهُ لِبَقِيَّةِ الْأَبْرَارِ مِنْكُمْ .
إِنَّ الْفِتَنَ إِذَا أَقْبَلَتْ شَبَّهَتْ ، وَإِذَا أَدبَرَتْ نَبَّهَتْ؛ يُنْكَرْنَ مُقْبِلاَتٍ ، وَيُعْرَفْنَ مُدْبِرَاتٍ ، يَحُمْنَ حَوْمَ الرِّيَاحِ ، يُصِبْنَ بَلَداً . وَيُخْطِئْنَ بَلَداً . أَلاَ وَإِنَّ أَخْوَفَ الْفِتَنِ عِنْدِي عَلَيْكُمْ فِتْنَةُ بَنِي اُمَيَّةَ ، فإِنَّهَا فِتْنَةٌ عَمْيَاءٌ مُظلِمَةٌ : عَمَّتْ خُطَّتُهَا ، وَخَصَّتْ بَلِيَّتُهَا ، وَأَصَابَ الْبَلاَءُ مَنْ أَبْصَرَ فِيهَا ، وَأَخْطَأَ الْبَلاَءُ مَنْ عَمِيَ عَنْهَا . وَايْمُ اللّهِ لَتَجِدُنَّ بَنِي أُمَيَّةَ لَكُمْ أَرْبَابَ سُوْءٍ بَعْدِي ، كَالنَّابِ الضَّرُوس ، تَعْذِمُ بِفِيهَا ، وَتَخْبِطُ بِيَدِهَا ، وَتَزْبِنُ بِرِجْلِهَا ، وَتَمْنَعُ دَرَّهَا ، لاَ يَزَالُونَ بِكُمْ حَتَّى لاَ يَتْرُكُوا مِنْكُمْ إِلاَّ نَافِعاً لَهُمْ ، أَوْ غَيْرَ ضَائِرٍ بِهِمْ . وَلاَ يَزَالُ بَلاَوهُمْ عَنْكُمْ حَتَّى لاَ يَكُونَ انْتِصَارُ أَحَدِكُمْ مِنْهُمْ إِلاَّ كَانْتِصَارِ الْعَبْدِ مِنْ رَبَّهِ ، وَالصَّاحِبِ مِنْ مُسْتَصْحِبِهِ ، تَرِدُ عَلَيْكُمْ فِتْنَتُهُمْ شَوْهَاءَ مَخْشِيَّةً ، وَقِطَعاً جَاهِلِيَّةً ، لَيْسَ فِيهَا مَنَارُ هُدىً ، وَلاَ عَلَمٌ يُرَى ، نَحْنُ أَهْلَ الْبَيْتِ مِنْهَا بِمَنْجَاةٍ ، وَلَسْنَا فِيهَا بِدُعَاةٍ ، ثُمَّ يُفَرِّجُهَا اللّهُ عَنْكُمْ كَتَفْرِيجِ الْأَدِيمِ ؛ بِمَنْ يَسُومُهُمْ خَسْفاً ، وَيَسُوقُهُمْ عُنْفاً ، وَيَسْقِيهِمْ بِكَأسٍ مُصَبَّرَةٍ لاَ يُعْطِيهِمْ إِلاَّ السَّيْفَ ، وَلاَ يُحْلِسُهُمْ إِلاَّ الْخَوْفَ ، فَعِنْدَ ذلِكَ تَوَدُّ قُرَيْشٌ ـ بِالدُّنْيَا وَمَا فِيهَا ـ لَوْ يَرَوْنَنِي مَقَاماً وَاحِداً ، وَلَوْ قَدْرَ جَزْرِ جَزُورٍ ، لِأَقْبَلَ مِنْهُمْ مَا أَطْلُبُ الْيَوْمَ بَعْضَهُ فَـلاَ يُعْطُونَنِيْهِ!

الشّرْحُ :

فقأتُ عينَه ، أي بخقْتُها ، وتفقّأت السحابة عن مائها : تشقّقت ، وتفقّأ الدُمّل والقُرح ؛ ومعنى فقئِه عليه السلام عينَ الفتنة ، إقدامه عليها حتى أطفأ نارها ؛ كأنه جعل للفتنة عينا محدقة يهابها الناس ؛ فأقدم هو عليها ؛ ففقأ عينَها ؛ فسكنت بعد حركتها وهيجانها . وهذا من باب

  • نام منبع :
    تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1
    تعداد جلد :
    2
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1384
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 183584
صفحه از 712
پرینت  ارسال به