وَلَوْ قَدْ فَقَدْتُمُونِي وَنَزَلَتْ بِكُمْ كَرَائِهُ الْأُمُورِ ، وَحَوَازِبُ الْخُطُوبِ ، لَأَطْرَقَ كَثِيرٌ مِنَ السَّائِلِينَ ، وَفَشِلَ كَثِيرٌ مِنَ المَسْؤولِينَ ، وَذلِكَ إِذَا قَلَّصَتْ حَرْبُكُمْ ، وَشَمَّرَتْ عَنْ سَاقٍ ، وَكانَتِ الدُّنْيَا عَلَيْكُمْ ضِيقاً ، تَسْتَطِيلُونَ أَيَّامَ الْبَلاَءِ عَلَيْكُمْ ، حَتَّى يَفْتَحَ اللّهُ لِبَقِيَّةِ الْأَبْرَارِ مِنْكُمْ .
إِنَّ الْفِتَنَ إِذَا أَقْبَلَتْ شَبَّهَتْ ، وَإِذَا أَدبَرَتْ نَبَّهَتْ؛ يُنْكَرْنَ مُقْبِلاَتٍ ، وَيُعْرَفْنَ مُدْبِرَاتٍ ، يَحُمْنَ حَوْمَ الرِّيَاحِ ، يُصِبْنَ بَلَداً . وَيُخْطِئْنَ بَلَداً . أَلاَ وَإِنَّ أَخْوَفَ الْفِتَنِ عِنْدِي عَلَيْكُمْ فِتْنَةُ بَنِي اُمَيَّةَ ، فإِنَّهَا فِتْنَةٌ عَمْيَاءٌ مُظلِمَةٌ : عَمَّتْ خُطَّتُهَا ، وَخَصَّتْ بَلِيَّتُهَا ، وَأَصَابَ الْبَلاَءُ مَنْ أَبْصَرَ فِيهَا ، وَأَخْطَأَ الْبَلاَءُ مَنْ عَمِيَ عَنْهَا . وَايْمُ اللّهِ لَتَجِدُنَّ بَنِي أُمَيَّةَ لَكُمْ أَرْبَابَ سُوْءٍ بَعْدِي ، كَالنَّابِ الضَّرُوس ، تَعْذِمُ بِفِيهَا ، وَتَخْبِطُ بِيَدِهَا ، وَتَزْبِنُ بِرِجْلِهَا ، وَتَمْنَعُ دَرَّهَا ، لاَ يَزَالُونَ بِكُمْ حَتَّى لاَ يَتْرُكُوا مِنْكُمْ إِلاَّ نَافِعاً لَهُمْ ، أَوْ غَيْرَ ضَائِرٍ بِهِمْ . وَلاَ يَزَالُ بَلاَوهُمْ عَنْكُمْ حَتَّى لاَ يَكُونَ انْتِصَارُ أَحَدِكُمْ مِنْهُمْ إِلاَّ كَانْتِصَارِ الْعَبْدِ مِنْ رَبَّهِ ، وَالصَّاحِبِ مِنْ مُسْتَصْحِبِهِ ، تَرِدُ عَلَيْكُمْ فِتْنَتُهُمْ شَوْهَاءَ مَخْشِيَّةً ، وَقِطَعاً جَاهِلِيَّةً ، لَيْسَ فِيهَا مَنَارُ هُدىً ، وَلاَ عَلَمٌ يُرَى ، نَحْنُ أَهْلَ الْبَيْتِ مِنْهَا بِمَنْجَاةٍ ، وَلَسْنَا فِيهَا بِدُعَاةٍ ، ثُمَّ يُفَرِّجُهَا اللّهُ عَنْكُمْ كَتَفْرِيجِ الْأَدِيمِ ؛ بِمَنْ يَسُومُهُمْ خَسْفاً ، وَيَسُوقُهُمْ عُنْفاً ، وَيَسْقِيهِمْ بِكَأسٍ مُصَبَّرَةٍ لاَ يُعْطِيهِمْ إِلاَّ السَّيْفَ ، وَلاَ يُحْلِسُهُمْ إِلاَّ الْخَوْفَ ، فَعِنْدَ ذلِكَ تَوَدُّ قُرَيْشٌ ـ بِالدُّنْيَا وَمَا فِيهَا ـ لَوْ يَرَوْنَنِي مَقَاماً وَاحِداً ، وَلَوْ قَدْرَ جَزْرِ جَزُورٍ ، لِأَقْبَلَ مِنْهُمْ مَا أَطْلُبُ الْيَوْمَ بَعْضَهُ فَـلاَ يُعْطُونَنِيْهِ!
الشّرْحُ :
فقأتُ عينَه ، أي بخقْتُها ، وتفقّأت السحابة عن مائها : تشقّقت ، وتفقّأ الدُمّل والقُرح ؛ ومعنى فقئِه عليه السلام عينَ الفتنة ، إقدامه عليها حتى أطفأ نارها ؛ كأنه جعل للفتنة عينا محدقة يهابها الناس ؛ فأقدم هو عليها ؛ ففقأ عينَها ؛ فسكنت بعد حركتها وهيجانها . وهذا من باب