قوله عليه السلام : « ونصحت لكم » ، هو الأفصح ، وعليه ورد لفظ القرآن ۱ ، وقول العامة : « نصحتك » ليس بالأفصح . قوله : « وعَبِيد كأرباب » يصفهم بالكِبْر والتِّيه .
فإن قلت : كيف قال عنهم إنّهم عبيد وكانوا عَرَبا صَلبية؟
قلت : يريد أنّ أخلاقهم كأخلاق العبيد ، من الغَدْر والخلاف ودناءة الأنفس ، وفيهم مع ذلك كِبْر السادات والأرباب وتيههم ، فقد جمعوا خِصالَ السُّوء كلها .
وأيادي سبأ ، مثل يضرب للمتفرّقين ، وأصله قولُه تعالى عن أهل سبأ : « وَمَزَّقْنَاهُمْ كُلَّ مُمزَّقٍ »۲ .
قوله : « تتخادَعُون عن مواعظكم » ، أي تمسكون عن الاتّعاظ والانزجار ، وتُقْلعون عن ذلك ، من قولهم : كان فلان يُعطي ثم خدع ، أي أمسك وأقلع . ويجوز أن يريد : تتلوّنون وتختلفون في قبول الموعظة ؛ من قولهم : خلق فلان خَلْق خادع ، أي متلوّن .
والخَيّة : القوس . وقوله : « كظهر الخيّة » ، يريد اعوجاجهم ؛ كما أنّ ظهر القوس معوجّ . وأعضل المقوّم ، أي أعضل داؤه ، أي أعيا . ويروى : « أيها الشاهدة أبدانهم » ، بحذف الموصوف . ثم أقسم أ نّه يودّ أنّ معاوية صارَفه بهم ، فأعطاه من أهل الشام واحداً ، وأخذ منه عشرة ، صَرْف الدينار بالدراهم .
ثم ذكر عليه السلام أنهُ منِي ، أي بُلِيَ منهم بثلاث واثنتين ، إنما لم يقل بخمس ؛ لأنّ الثلاث إيجابية والاثنتين سَلْبية ، فأحبّ أن يفرّق بين الإثباب والنفي . ويروى : « لا أحرار صدق عند اللقاء » ، جمع صادق . ولا إخوان ثقة عند البلاء ، أي موثوق بهم . تربتْ أيديكم ، كلمة يدعى على الإنسان بها ، أي لا أصَبْتُم خيراً ، وأصل « ترب » أصابه التراب ، فكأنه يدعو عليه بأن يفتقر حتى يلتصق بالتراب .
قوله : « فما إخالكم » أي فما أظنُّكم ؛ والأفصح كسر الألف وهو السماع ؛ وبنو أسد يفتحونها وهو القياس . قوله : « ألّو » أصله « أن لو » ثم أدغمت النون في الألف فصارت كلمة واحدة . وحمِس الوغى ، بكسر الميم ، اشتدّ وَعَظُم ، فهو حمس وأحمس ؛ بيّن الحمَس والحماسة . والوغى في الأصل : الأصوات والجلبة ، وسميت الحرب نفسها وَغىً لما فيها