337
تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1

قوله عليه السلام : « ونصحت لكم » ، هو الأفصح ، وعليه ورد لفظ القرآن ۱ ، وقول العامة : « نصحتك » ليس بالأفصح . قوله : « وعَبِيد كأرباب » يصفهم بالكِبْر والتِّيه .
فإن قلت : كيف قال عنهم إنّهم عبيد وكانوا عَرَبا صَلبية؟
قلت : يريد أنّ أخلاقهم كأخلاق العبيد ، من الغَدْر والخلاف ودناءة الأنفس ، وفيهم مع ذلك كِبْر السادات والأرباب وتيههم ، فقد جمعوا خِصالَ السُّوء كلها .
وأيادي سبأ ، مثل يضرب للمتفرّقين ، وأصله قولُه تعالى عن أهل سبأ : « وَمَزَّقْنَاهُمْ كُلَّ مُمزَّقٍ »۲ .
قوله : « تتخادَعُون عن مواعظكم » ، أي تمسكون عن الاتّعاظ والانزجار ، وتُقْلعون عن ذلك ، من قولهم : كان فلان يُعطي ثم خدع ، أي أمسك وأقلع . ويجوز أن يريد : تتلوّنون وتختلفون في قبول الموعظة ؛ من قولهم : خلق فلان خَلْق خادع ، أي متلوّن .
والخَيّة : القوس . وقوله : « كظهر الخيّة » ، يريد اعوجاجهم ؛ كما أنّ ظهر القوس معوجّ . وأعضل المقوّم ، أي أعضل داؤه ، أي أعيا . ويروى : « أيها الشاهدة أبدانهم » ، بحذف الموصوف . ثم أقسم أ نّه يودّ أنّ معاوية صارَفه بهم ، فأعطاه من أهل الشام واحداً ، وأخذ منه عشرة ، صَرْف الدينار بالدراهم .
ثم ذكر عليه السلام أنهُ منِي ، أي بُلِيَ منهم بثلاث واثنتين ، إنما لم يقل بخمس ؛ لأنّ الثلاث إيجابية والاثنتين سَلْبية ، فأحبّ أن يفرّق بين الإثباب والنفي . ويروى : « لا أحرار صدق عند اللقاء » ، جمع صادق . ولا إخوان ثقة عند البلاء ، أي موثوق بهم . تربتْ أيديكم ، كلمة يدعى على الإنسان بها ، أي لا أصَبْتُم خيراً ، وأصل « ترب » أصابه التراب ، فكأنه يدعو عليه بأن يفتقر حتى يلتصق بالتراب .
قوله : « فما إخالكم » أي فما أظنُّكم ؛ والأفصح كسر الألف وهو السماع ؛ وبنو أسد يفتحونها وهو القياس . قوله : « ألّو » أصله « أن لو » ثم أدغمت النون في الألف فصارت كلمة واحدة . وحمِس الوغى ، بكسر الميم ، اشتدّ وَعَظُم ، فهو حمس وأحمس ؛ بيّن الحمَس والحماسة . والوغى في الأصل : الأصوات والجلبة ، وسميت الحرب نفسها وَغىً لما فيها

1.من قوله تعالى في سورة الأعراف ۷۹ : « وَقَالَ يَاقَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَةَ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ » .

2.سورة سبأ ۱۹ .


تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1
336

الشّرْحُ :

أمهله : أخّره ، وأخذُه فاعل ، والمفعول محذوف تقديره : « فلن يفوته » . والمرصاد : الطريق ، وهي من ألفاظ الكتاب العزيز . ومجاز طريقه : مسلكه وموضع جوازه . والشَّجَا : ما ينشَب في الحلق من عظم أو غيره ، وموضع الشَّجا : هو الحلْق نفسه . ومساغُ ريقه : موضع الإساغة ، أسغت الشراب : أوصلتُه إلى المعدة . ويجوز : سغت الشراب أسُوغه وأسيغه ، وساغ الشرابُ نفسُه يسوغ سَوْغا ، أي سَهُل مدخله في الحَلْق ، يتعدّى ولا يتعدّى . وهذا الكلام من باب التوسّع والمجاز ؛ لأنّ اللّه تعالى لا يجوز عليه الحصول في الجهاتِ ، ولكنه كقوله تعالى : « وَهُوَ مَعَكُمْ أيْنَما كُنْتُم »۱ . وقوله : « وَنَحْنُ أَقْرَبُ إلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ»۲ .
ثم أقسم عليه السلام أنّ أهل الشام لابدّ أن يظهروا على أهل العراق ، وأنّ ذلك ليس لأنهم على الحقّ وأهلُ العراق على الباطل ، بل لأنّهم أطوَعُ لأميرهم ، ومدَار النّصرة في الحرب إنّما هو على طاعة الجيش وانتظام أمره ، لا على اعتقاد الحقّ ، فإنه ليس يُغْنِي في الحرب أن يكون الجيش محقّا في العقيدة إذا كان مختلف الآراء ، غير مطيع لأمر المدبّر له ، ولهذا تجدُ أهل الشرك كثيرا ما ينتصرون على أهل التوحيد .
ثم ذكر عليه السلام نكتة لطيفة في هذا المعنى ، فقال : العادة أنّ الرعيّة تخاف ظلم الوالي ، وأنا أخاف ظلم رعيتي ، ومَنْ تأمّل أحواله عليه السلام في خلافته ، علم أ نّه كان كالمحجور عليه ، لا يتمكّن من بلوغ مافي نفسه ؛ وذلك لأنّ العارفين بحقيقة حاله كانوا قليلين ، وكان السواد الأعظم ، لا يعتقدون فيه الأمر الذي يجب اعتقادُه فيه ، ويرون تفضيلَ مَنْ تقدّمه من الخلفاء عليه ، ويظنّون أن الأفضليّة إنما هي الخلافة ، ويقلّد أخلافُهم أسلافَهم ، ويقولون : لولا أن الأوائل علموا فضل المتقدّمين عليه لما قدّموهم ، ولا يروْنه إلاّ بعين التبعيّة لمن سبقه ، وأنه كان رعيّة لهم ، وأكثرهم إنما يحارب معه بالحميّة ، وبنخوة العربية لا بالدين والعقيدة ، وكان عليه السلام مدفوعا إلى مداراتهم ومقاربتهم ، ولم يكن قادرا على إظهار ما عنده . ثم قال : « أو أموت كما مات أصحابي » ، فمن قائل يقول : عَنَى بأصحابه الخلفاء المتقدّمين ، ومن قائل يقول : عَنَى بأصحابه شيعتَه كسلمان وأبي ذرّ والمقداد وعَمّار ونحوهم .

1.سورة الحديد ۴ .

2.سورة ق۱۶ .

  • نام منبع :
    تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1
    تعداد جلد :
    2
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1384
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 182989
صفحه از 712
پرینت  ارسال به