363
تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1

الأصْلُ :

۰.ومنها في خطاب أصحابه :وَقَدْ بَلَغْتُمْ مَنْ كَرَامَةِ اللّهِ تَعَالى لَكُمْ مَنْزِلَةً تُكْرَمُ بِهَا إِمَاؤكُمْ وَتُوصَلُ بِهَا جِيرَانُكُمْ ، وَيُعَظِّمُكُمْ مَنْ لاَ فَضْلَ لَكُمْ عَلَيهِ ، وَلاَ يَدَ لَكُمْ عِنْدَهُ ، وَيَهَابُكُمْ مَنْ لاَ يَخَافُ لَكُمْ سَطْوَةً ، وَلاَ لَكُمْ عَلَيْهِ إِمْرَةٌ .
وَقَدْ تَرَوْنَ عُهُودَ اللّهِ مَنْقُوضَةً فَـلاَ تَغْضَبُونَ ! وَأَنْتُمْ لِنَقْض ذِمَمِ آبَائِكُمْ تَأْنَفُونَ ! وَكَانَتْ أُمُورُ اللّهِ عَلَيْكُمْ تَرِدُ ، وَعَنْكُمْ تَصْدُرُ ، وَإِلَيْكُمْ تَرْجِعُ ، فَمَكَّنْتُمُ الظَّلَمَةَ مِنْ مَنْزِلَتِكُمْ ، وَأَلْقَيْتُمْ إِلَيْهِمْ أَزِمَّتَكُمْ ، وَأَسْلَمْتُمْ أُمُورَ اللّهِ فِي أَيْدِيهمْ ، يَعْمَلُونَ بِالشُّبُهَاتِ ، وَيَسِيرُونَ فِي الشَّهَوَاتِ ، وَايْمُ اللّهِ ، لَوْ فَرَّقُوكُمْ تَحْتَ كُلِّ كَوْكَبٍ ، لَجَمَعَكُمُ اللّهُ لِشَرِّ يَوْمٍ لَهُمْ!

الشّرْحُ :

هذا خطاب لأصحابه الذين أسلموا مدنهم ونواحيهم إلى جيوش معاوية ؛ التي كان يُغير بها على أطراف أعمال عليّ عليه السلام كالأنبار وغيرها مما تقدّم ذكرنا له ، قال لهم: إنّ اللّه أكرمكم بالإسلام بعد أن كنتم مجوساً ، أو عباد أصنام ، وبلغتم من كرامته إياكم بالإسلام منزلة عظيمة ، أكرم بها إماؤكم وعبيدكم ؛ ومن كان مَظِنّة المِهْنة والمذلَّة . ووصل بها جيرانكم ، أي مَن التجأ إليكم من معاهَدٍ أو ذِميّ ، فإنّ اللّه تعالى حفظ لهم ذمام المجاورة لكم ، حتى عصمَ دماءهم وأموالهم ، وصرتم إلى حال يعظّمكم بها مَنْ لا فضل لكم عليه ، ولا نعمة لكم عنده ؛ كالروم والحبشة ، فإنهم عَظّموا مسلمي العرب لتقمّصهم لباس الإسلام والدين ، ولزومهم ناموسه ، وإظهارهم شعاره . ويهابكم من لا يخاف لكم سطوة ، ولا لكم عليه إمرة ؛ كالملوك الذين في أقاصي البلاد ، نحو الهند والصين وأمثالها ؛ وذلك لأنهم هابوا دولة الإسلام ، وإن لم يخافوا سطوة سيفها ؛ لأ نّه شاع وذاع أنّهم قوم صالحون ، إذا دعوا اللّه استجاب لهم ، وأنهم يقهرون الأُمم بالنصر السماويّ وبالملائكة ، لا بسيوفهم ولا بأيديهم .
ثم قال عليه السلام : ما لكم لا تغضبون ، وأنتم تروْن عهود اللّه منقوضة ! وإنّ من العجب أن يغضب الإنسان ويأنف من نقض عهد أبيه ، ولا يغضب ولا يأنف لنقض عهود إلهه وخالقه ! ثم قال


تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1
362

الأصْلُ :

۰.منها في ذكر النبي صلى الله عليه و آله وسلمحَتَّى أَوْرَى قَبَساً لِقَابِس ، وَأَنَارَ عَلَماً لِحَابِس فَهُوَ أَمِينُكَ الْمَأْمُونُ ، وَشَهِيدُكَ يَوْمَ الدِّينِ ، وَبَعِيثُكَ نِعْمةً وَرَسُولُكَ بِالْحقِّ رَحْمَةً .
اللَّهُمَّ اقْسِمْ لَهُ مَقْسَماً مِنْ عَدْلِكَ ، وَاجْزِهِ مُضَعَّفَاتِ الْخَيْرِ مِنْ فَضْلِكَ . اللَّهُمَّ أَعْلِ عَلَى بِنَاءِ الْبَانِينَ بِنَاءَهُ ! وَأَكْرِمْ لَدَيْكَ نُزُلَهُ ، وَشَرِّفْ عِنْدَكَ مَنْزِلَهُ وَآتِهِ الْوَسِيلَةَ ، وَأَعْطِهِ السَّنَاءَ وَالْفَضِيلَةَ ، وَاحْشُرْنَا فِي زُمْرَتِهِ غَيْرَ خَزَايَا ، وَلاَ نَادِمِينَ ، وَلاَ نَاكِبِينَ ، وَلاَ نَاكِثِينَ ، وَلاَ ضَالِّينَ ، وَلاَ مُضِلِّينَ ، وَلاَ مَفْتُونِينَ!

قال الرضي رحمه الله :
وَقَدْ مَضَى هَذَا الكَلاَمُ فِيما تقَدَّمَ ، إلاّ أنّنا كَرّرْناهُ ها هنا لِمَا فِي الرِّوَايَتَيْنِ مِنَ الاختِلاَفِ .

الشّرْحُ :

قبساً ، منصوب بالمفعولية ، أي أوْرَى رسول اللّه صلى الله عليه و آله قَبَسا ، والقَبَس : شعلة من النار ، والقابس : طالب الاستصباح منها ، والكلام مجاز ، والمراد الهداية في الدين . وعلَماً ، منصوب أيضا بالمفعولية ، أي وأنار رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلمعَلما . لحابس ، أي نصب لمن قد حَبَس ناقته ـ ضلالاً ، فهو يخبط لا يدري كيف يهتدي إلى المنهج ـ علما يهتدي به . والبعيث : المبعوث . ومقسما : نصيباً ، وإن جعلتَه مصدرا جاز . والنُّزُل : طعام الضيف . والوسيلة : ما يتقرّب به ، وقد فسر قولهم في دعاء الأذان : « اللّهم آته الوسيلة » ، بأنها درجة رفيعة في الجنّة . والسّناء بالمد : الشرف . وزمرته : جماعته . وخزايا : جمع خزيان ، وهو الخَجِل المسْتحي ، مثل سكران وسكارى ، وحيران وحيارى ، وغَيْران وغَيَارَى . وناكبين ، أي عادلين عن الطريق . وناكثين ، أي ناقضين للعهد .

  • نام منبع :
    تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1
    تعداد جلد :
    2
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1384
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 183009
صفحه از 712
پرینت  ارسال به