39
تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1

والصحابة أنّه شيعي غالٍ ، هذا الإطلاق إنما هو وفق المصطلح السُّنّي للتشيع لا المصطلح الإمامي ، حيث يعد أهل السنة كلّ من يفضل علياً على عثمان شيعياً ، وكلّ من يفضل علياً على أبي بكر شيعياً غالياً . قال ابن المرتضى :
روي أنّ أبا الهذيل العلاّف لما مات (235 ه) ، صلّى عليه أحمد بن أبي دؤاد القاضي ؛ فكبّر عليه خمساً ، ثمّ لمّا مات هشام بن عمرو ؛ كبّر عليه أربعاً ، فقيل له في ذلك ، فقال : إن أبا الهذيل كان يتشيّع لبني هاشم ، فصلّيتُ عليه بصلاتهم . وأبو الهذيل كان يفضّل علياً على عثمان ، وكان الشيعي في ذلك الزمان من يفضل علياً عليه السلام على عثمان ۱ .
3 ـ رأي ابن أبي الحديد في الإمامة مبيّناً مذهب المعتزلة فيها :
قال ابن أبي الحديد ما خلاصته : اتفق شيوخنا كافة رحمهم الله ؛ المتقدمون منهم والمتأخرون والبصريون والبغداديون ، على أن بيعة أبي بكر بيعة صحيحة شرعية ، وأنّها لم تكن عن نصّ ، وإنما كانت بالاختيار الذي ثبت بالإجماع ، وبغير الإجماع كونه طريقاً إلى الإمامة واختلفوا في التفضيل ، فقال قدماء البصريين : إن أبابكر أفضل من علي عليه السلام وهؤلاء يجعلون ترتيب الأربعة في الفضل كترتيبهم في الخلافة .
وقال البغداديون قاطبة قدماؤهم ومتأخروهم : إن علياً عليه السلام أفضل من أبي بكر . وأمّا نحن (أي ابن أبي الحديد نفسه) فنذهب إلى ما يذهب إليه شيوخنا من تفضيله عليه السلام ، وقد ذكرنا في كتبنا الكلامية ما معنى الأفضل ، وهل المراد الأكثر ثواباً ، أو الأجمع لمزايا الفضل والخلال الحميدة ؟ وبيّنا أنه عليه السلام أفضل على التفسيرين معاً ۲ .
وكرر نحو هذا في الجزء العاشر ، ص101 ، وقال في موضع آخر من الجزء الثالث ، ص98 معلقاً على رواية ابن ديزيل بسنده إلى زيد بن أرقم قال : قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم : « ألا أدلَّكم على ما إن تسالمتم عليه لم تهلكوا ؟ إنَّ وليَّكم اللّه وإنَّ إمامكم علي بن أبي طالب ، فناصحوه ، وصدِّقوه ، فإنَّ جبريل أخبرني بذلك » .
قال : فإن قلتَ هذا نصٌّ صريحٌ في الإمامية ، فما الذي تصنع المعتزلة بذلك .

1.المنية والأمل في شرح كتاب الملل والنحل ، أحمد بن يحيى بن المرتضى ، تصحيح توما أرنلد ، ص۲۸ ، دار الصياد .

2.مقدمة شرح النهج ، ص۷ ـ ۹ .


تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1
38

تأسيس المدرسة النظامية ، أو لفكرة تأسيس المدارس بوجه عام ؛ وهي مقاومة الدعوة الشيعية ، بتخريج عدد من المثقفين الذين يفهمون عن الدولة أغراضها وأهدافها ، ولمّا كان مقاومة المذهب الشيعي تعتبر هدفاً من أهداف الدولة ، لذا فإن المستنصر العباسي اتخذ من أصحاب المذاهب الأربعة عناصر متحدة داخل إطار يعرف بالمدرسة المستنصرية ۱ .
أقول : إن شروط القبول في المدرسة النظامية هو أن يكون الطالب شافعياً محضاً بحسب اشتراط واقفها . ومن باب أولى أن يكون موظفوها والمشرفون عليها كل واحد منهم شافعياً دون أدنى شك ، ولعل مقتضى قبول ابن أبي الحديد فيها طالباً منذ صباه ، أنّه كان شافعياً ، شأنه شأن والده وأخويه الذين شغلوا مناصب فيها ۲ . نعم ، اعتنق مذهب الاعتزال على طريقة مدرسة بغداد في الاعتزال . وهذا ما سنوضحه في النقطة التالية :
2 ـ تميّزت مدرسة بغداد (الاعتزالية) ـ بعد انتقال بشر بن المعتمر إليها ـ بميلها إلى التشيع ؛ حتى أُطلق عليها اسم (متشيعة بغداد) ۳ .
ويقول القاضي عبد الجبار المعتزلي : إن المتقدمين من المعتزلة ذهبوا إلى أن أفضل الناس بعد رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم أبوبكر ، ثمّ عمر ، ثمّ عثمان ، ثمّ علي ، إلاّ واصل بن عطاء ، فإنه يفضّل أمير المؤمنين علياً على عثمان فلذلك سموه شيعياً ۴ .
ويذهب الملطي وهو من أقدم مؤرخي العقائد : إلى أن معتزلة بغداد ـ الجعفران والإسكافي ـ يقولون : إن علي بن أبي طالب رضى الله عنه أفضل الناس بعد رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم ، بل إنه بناءً على هذا يعتبرهم فرقة من فريق الزيدية ، فيقول : « الفرقة الرابعة من الزيدية هم معتزلة بغداد » ۵ .
من هذه النصوص نستكشف أنهم يطلقون على من يقول بتفضيل الإمام علي عليه السلام على عثمان أنه شيعي أو زيدي ، بينما يطلقون على من يفضّل علياً عليه السلام على سائر الخلفاء

1.المدرسة المستنصرية ، حسين أمين ، ص۳۰ ؛ عصر الدول والإمارات ، شوقي ضيف ، ص۲۷۷ .

2.ذكر ابن أبي الحديد ، أنه حضر وهو غلام بالنظامية (شرح النهج ۱۴/۲۸۰) .

3.الانتصار ، الخياط ، ص۱۰۰ ، دار الكتب المصرية ۱۹۲۵ م .

4.شرح الاصول الخمسة ، ص۱۲۹ ، ۷۶۶ .

5.التنبيه والرد على الأهواء والبدع ، الملطي ، ص۳۴ ، ۴۰ ، تقديم فتحي العقيلي ط ۱۳۶۸ ه .

  • نام منبع :
    تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1
    تعداد جلد :
    2
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1384
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 183338
صفحه از 712
پرینت  ارسال به