سَمَاعِهِ . فَلْيَكْفِكُمْ مِنَ الْعِيَانِ السَّمَاعُ ، وَمِنَ الْغَيْبِ الْخَبَرُ . وَاعْلَمُوا أَنَّ مَا نَقَصَ مِنَ الدُّنْيَا وَزَادَ في الآخِرَةِ خَيْرٌ مِمَّا نَقَصَ مِنَ الآخِرَةِ وَزَادَ فِي الدُّنْيَا . فَكَمْ مِنْ مَنْقُوصٍ رَابِحٍ وَمَزِيدٍ خَاسِرٍ ! إِنَّ الَّذِي أُمِرْتُمْ بِهِ أَوْسَعُ مِنَ الَّذِي نُهِيتُمْ عَنْهُ . وَمَا أُحِلَّ لَكُمْ أَكْثَرُ مِمَّا حُرِّمَ عَلَيْكُمْ . فَذَرُوا مَا قَلَّ لِمَا كَثُرَ ، وَمَا ضَاقَ لِمَا اتَّسَعَ .قَدْ تَكَفَّلَ لَكُمْ بِالرِّزْقِ وَأُمِرْتُمْ بِالْعَمَلِ؛ فَـلاَ يَكُونَنَّ الْمَضْمُونُ لَكُمْ طَلَبُهُ أَوْلَى بِكُمْ مِنَ الْمَفْرُوضِ عَلَيْكُمْ عَمَلُهُ ، مَعَ أنّهُ واللّهِ لَقَدِ اعْتَرَضَ الشَّكُّ ، وَدَخِلَ الْيَقِينُ ، حَتَّى كَأَنَّ الَّذِي ضُمِنَ لَكُمْ قَدْ فُرِضَ عَلَيْكُمْ ، وَكَأَنَّ الَّذِي فُرِضَ عَلَيْكُمْ قَدْ وُضِعَ عَنْكُمْ . فَبَادِرُوا الْعَمَلَ ، وَخَافُوا بَغْتَةَ الْأَجَلِ ، فَإِنَّهُ لاَ يُرْجَى مِنْ رَجْعَةِ العُمرِ مَا يُرْجَى مِنْ رَجْعَةِ الرِّزْقِ .
مَا فَاتَ الْيَوْمَ مِنَ الرِّزْقِ رُجِيَ غَداً زِيَادَتُهُ ، وَمَا فَاتَ أَمْس مِنَ العُمرِ لَمْ يُرْجَ الْيَوْمَ رَجْعَتُهُ . الرَّجَاءُ مَعَ الْجَائِي ، وَالْيَأسُ مَعَ الْمَاضِي . فَاتَّقُوا اللّه حَقَّ تُقَاتِهِ ، وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ!
الشّرْحُ :
لقائل أن يقول : أمّا كونُه واصَل الحمدَ له من عباده بالنّعم منه عليهم فمعلوم ، فكيف قال : إنه يصلُ النِّعم المذكورة بالشكر ، والشكر من أفعال العباد ، وليس من أفعاله ليكون واصلاً للنّعم به؟
وجواب هذا القائل ، هو أ نّه لما وفّق العباد للشكر بعد أن جعل وجوبه في عقولهم مقرّرا ، وبعد أن أقدرهم عليه ، صار كأنّه الفاعل له ، فأضافه إلى نفسه توسُّعاً ، كما يقال : أقام الأمير الحدّ ، وقتل الوالي اللصّ ؛ وحمدُه سبحانه على البلاءِ ، كحمدِه على الآلاء . ومن الكلام المشهور : « سبحان من لا يُحمد على المكروه سواه » ، والسرّ فيه أنه تعالى إنما يفعلُ المكروه بِنَا لمصالحنا ، فإذا حَمَدْناه عليه فإنما حمدناه على نعمةٍ أنعم بها ، وإن كانَتْ في الظاهر بليّة وألماً .
ثم سأل اللّه أن يعينَه على النفْس البطيئة عن المأمور به ، السريعة إلى المنهيّ عنه . ومن دعاء بعض الصالحين : اللهمّ إني أشكُوا إليك عدوّا بين جنبيّ قد غلب عليّ .