أقول : ممّا ذكرنا يتبيّن أنّ ابن أبي الحديد لم يكن شيعياً ، بالمصطلح الإمامي للتشيّع ، وإنّما عدّ شيعياً بناء على الفهم السني للتشيع كما وضّحناه سابقاً ، وإلاّ فابن أبي الحديد كان شافعياً معتزلياً وبقي كذلك إلى آخر عمره يتعبّد بالفقه الشافعي ، وينكر الوصية بالإمامة والخلافة ويذهب الى الانتخاب كما ينكر العصمة للإمام ، ويبرر أعمال الصحابة ويوجهها بما يناسب مذهبه ... الخ وأما ما ذهب إليه الشيخ محمد أبو الفضل ابراهيم ، وشوقي ضيف ، من أنّه كان شيعياً غالياً (رافضياً) ثم عدل إلى المذهب الشافعي والاعتزال غير صحيح وهو مبتنٍ على هذا الفهم الخاطئ للتشيع ، أو على التعصّب المرفوض الذي لا ينظر بعين الحق .
والصحيح أنه كان شافعياً شأنه شأن والده وإخوته الثلاثة وهو مقتضى قبولهم في المدرسة النظامية التي لا تقبل بين صفوفها إلاّ الشوافع . نعم ، تحوّل إلى الاعتزال على طريقة متأخري مدرسة بغداد الذين يذهبون إلى تفضيل الإمام علي عليه السلام على جميع الصحابة دون استثناء ، وقد صرّح بذلك في عينيّته حيث يقول :
ورأيت دين الاعتزال وإنَّنيأهوى لأجلك كلَّ من يتشيّعُ
وأما قول الصنعاني (1121 ه) صاحب (نسمة السحر) الذي ذكره محمد أبو الفضل « أنّه كان معتزلياً جاحظياً ، في أكثر شرحه للنهج ، بعد أن كان شيعياً غالياً » فيردّه أنّ الجاحظ من القسم الآخر من المعتزلة أي من (مدرسة البصرة) ، الذي يذهب إلى تفضيل أبي بكر على علي عليه السلام بل يفضّل عثمان عليه عليه السلام ، كما يظهر ذلك مِن كتابه (العثمانية) (ص3) وفيه ناقش كلّ حجج الشيعة التي احتجّت بها على أفضلية الإمام عليه السلام ، حتى حاول إحباط كلَّ فضيلة للإمام عليه السلام (ص206) . وقد تصدّى الإسكافي المعتزلي البغدادي لحجج الجاحظ في كتابه (المقامات) وكذلك ابن أبي الحديد في كتابه (مناقضة السفيانية) .
وقال ابن كثير الدمشقي الشافعي (774 ه) معرِّفاً بعقيدة ابن أبي الحديد : « ... الكاتب المطبق ، الشيعي الغالي ، كان حظياً عند الوزير ابن العلقمي ، لِما بينهما من المناسبة والمقاربة والمشابهة في التشيع والأدب والفضيلة » ۱ .
والجواب عنه : لعل ابن كثير نبز ابن أبي الحديد بالتشيع والغلو ـ بل غيره من المحققين المتأخرين أمثال محمد أبو الفضل ، والدكتور شوقي ضيف وغيرهما ـ بسبب عَلوياته التي