41
تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1

أقول : ممّا ذكرنا يتبيّن أنّ ابن أبي الحديد لم يكن شيعياً ، بالمصطلح الإمامي للتشيّع ، وإنّما عدّ شيعياً بناء على الفهم السني للتشيع كما وضّحناه سابقاً ، وإلاّ فابن أبي الحديد كان شافعياً معتزلياً وبقي كذلك إلى آخر عمره يتعبّد بالفقه الشافعي ، وينكر الوصية بالإمامة والخلافة ويذهب الى الانتخاب كما ينكر العصمة للإمام ، ويبرر أعمال الصحابة ويوجهها بما يناسب مذهبه ... الخ وأما ما ذهب إليه الشيخ محمد أبو الفضل ابراهيم ، وشوقي ضيف ، من أنّه كان شيعياً غالياً (رافضياً) ثم عدل إلى المذهب الشافعي والاعتزال غير صحيح وهو مبتنٍ على هذا الفهم الخاطئ للتشيع ، أو على التعصّب المرفوض الذي لا ينظر بعين الحق .
والصحيح أنه كان شافعياً شأنه شأن والده وإخوته الثلاثة وهو مقتضى قبولهم في المدرسة النظامية التي لا تقبل بين صفوفها إلاّ الشوافع . نعم ، تحوّل إلى الاعتزال على طريقة متأخري مدرسة بغداد الذين يذهبون إلى تفضيل الإمام علي عليه السلام على جميع الصحابة دون استثناء ، وقد صرّح بذلك في عينيّته حيث يقول :

ورأيت دين الاعتزال وإنَّنيأهوى لأجلك كلَّ من يتشيّعُ
وأما قول الصنعاني (1121 ه) صاحب (نسمة السحر) الذي ذكره محمد أبو الفضل « أنّه كان معتزلياً جاحظياً ، في أكثر شرحه للنهج ، بعد أن كان شيعياً غالياً » فيردّه أنّ الجاحظ من القسم الآخر من المعتزلة أي من (مدرسة البصرة) ، الذي يذهب إلى تفضيل أبي بكر على علي عليه السلام بل يفضّل عثمان عليه عليه السلام ، كما يظهر ذلك مِن كتابه (العثمانية) (ص3) وفيه ناقش كلّ حجج الشيعة التي احتجّت بها على أفضلية الإمام عليه السلام ، حتى حاول إحباط كلَّ فضيلة للإمام عليه السلام (ص206) . وقد تصدّى الإسكافي المعتزلي البغدادي لحجج الجاحظ في كتابه (المقامات) وكذلك ابن أبي الحديد في كتابه (مناقضة السفيانية) .
وقال ابن كثير الدمشقي الشافعي (774 ه) معرِّفاً بعقيدة ابن أبي الحديد : « ... الكاتب المطبق ، الشيعي الغالي ، كان حظياً عند الوزير ابن العلقمي ، لِما بينهما من المناسبة والمقاربة والمشابهة في التشيع والأدب والفضيلة » ۱ .
والجواب عنه : لعل ابن كثير نبز ابن أبي الحديد بالتشيع والغلو ـ بل غيره من المحققين المتأخرين أمثال محمد أبو الفضل ، والدكتور شوقي ضيف وغيرهما ـ بسبب عَلوياته التي

1.البداية والنهاية ۱۲/۱۹۹ .


تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1
40

قلتُ : يجوز أن يريد أنَّه إمامهم في الفتاوى والأحكام الشرعية ، لا في الخلافة .
وقال أيضاً : ولهذا كان أصحابنا (أي المعتزلة) أصحاب النجاة والخلاص والفوز في هذه المسألة ، في شرح قوله عليه السلام : « يهلك فيّ رجلان : محبٌّ مفرط ، وباهتٌ مُفْتَرٍ » ؛ لأنّهم سلكوا طريقة مقتصدة ، قالوا : هو ـ أي الإمام عليه السلام ـ أفضل الخلق في الدنيا ، وأكثرهم خصائص ومزايا ومناقب ، وكلّ من عاداه أو حاربه ، أو أبغضه ، فإنّه عدوٌّ للّه سبحانه ، وخالدٌ في النار مع الكفّار والمنافقين ، إلاّ أنْ يكون ممّن قد ثَبَتَتْ توبتُه ومات على تولّيه وحبّه . فأمّا الأفاضل من المهاجرين والأنصار الذين ولوا الإمامة قبله ، فلو أنّه أنكر إمامتهم ، وغضب عليهم ، وسخط فعلهم ، فضلاً عن أن يشهر عليهم السيف ، أو يدعو إلى نفسه ؛ لقلنا إنّهم من الهالكين ، كما لو غضب عليهم رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم ؛ لأنّه قد ثبت أنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلمقال له عليه السلام : « حربك حربي وسلمك سلمي » ، وأنّه قال صلى الله عليه و آله وسلم : « اللّهم وال من والاه وعاد من عاداه » ، وقال له : « لا يحبُّك إلاّ مؤمن ولا يبغضك إلاّ منافق » .
ولكنّا رأيناه رضي إمامتهم ، وبايعهم ، وصلّى خلفهم وأنكحهم ، وأكل من فيئهم ، فلم يكن لنا أن نتعدّى فعله ، ولا نتجاوز ما اشتهر عنه ، ألا ترى أنّه لما برئ من معاوية برئنا منه ، ولما لعنه لعنّاه ، ولمّا حكم بضلال أهل الشام ومن كان فيهم من بقايا الصحابة ، كعمرو بن العاص وابنه وغيرهما ؛ حكمنا أيضاً بضلالهم .
وقال أيضاً :
فأمّا من قال بتفضيله على الناس كافّة من التابعين فَخَلْقٌ كثير كأُويس القرني ، وزيد ابن صوحان ، وصَعْصعة أخيه ، وجندب الخير ، وعبيدة السلماني وغيرهم مما لا يحصى كثرة . ولم تكن لفظة الشيعة تعرف في ذلك العَصْر إلاّ لمن قال بتفضيله ولم تكن مقالة الإمامية ومن نحا نحوها من الطاعنين في إمامة السلف مشهورة حينئذٍ على هذا النحو من الاشتهار ؛ فكان القائلون بالتفضيل هم المسمَّون الشيعة ، وجميع ما ورد من الآثار والأخبار في فضل الشيعة وأنهم موعودون بالجنة فهؤلاء هم المعنيون به دون غيرهم ؛ ولذلك قال أصحابنا المعتزلة في كتبهم وتصانيفهم : نحن الشيعة حقاً . فهذا القولُ هو أقرب إلى السلامة وأشبه بالحقِّ من القولين المقتسِمين طرفي الإفراط والتفريط إن شاء اللّه ۱ .

1.شرح النهج ۲۰/۲۲۰ ـ ۲۲۶ .

  • نام منبع :
    تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1
    تعداد جلد :
    2
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1384
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 183353
صفحه از 712
پرینت  ارسال به