المميّز لأ نّه تعالى لا توصف ذاته بالحسن ، وإنما يوصف بالحسن أفعاله . ووعاها خير واع ، أي من وعاها عنه تعالى وعَقَلها وأجاب تلك الدعوة ، فهو خير واع . وقيل : عني بقوله : « أسمع داع » رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم ، وعني بقوله : « خير واع » نفسَه عليه السلام ؛ لأ نّه أُنزل فيه : «وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ »۱ ، والأوّل أظهر .
ثم قال : « فأسمع داعيها » ، أي لم يبق أحدا من المكلّفين إلاّ وقد أسمعه تلك الدعوة . وفاز واعيها ، أفلح مَنْ فَهِمها وأجاب إليها ، لابد من تقدير هذا ؛ وإلاّ فأيّ فوز يحصل لمن فهم ولم يجب ! والتقوى : خشية اللّه سبحانه ومراقبته في السرّ والعلن ، والخشية أصلُ الطاعات ، وإليها وقعت الإشارة بقوله تعالى : « إنَّ أكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللّهِ أَتْقَاكُمْ »۲ ، وقوله سبحانه : « وَمَنْ يَتَّقِ اللّه يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَحْتَسِبْ »۳ . قوله : « حتى أسهرتْ لياليَهم ، وأظمأت هواجرَهم » من قول العرب « نهاره صائم ، وليله قائم » ؛ نقلوا الفعل إلى الظرف ، وهو من باب الاتساع الذي يجرون فيه الظروف مجرى المفعول به ، فيقولون : الذي سرته يوم الجمعة ، أي سرت فيه . قوله عليه السلام : « فأخذوا الراحة بالنَّصَب » ، يروى : « فاستبدلوا الراحة » ، والنَّصَب : التعب . واستقربوا الأجل : رأوه قريبا .
فإن قلت : لماذا كرّر لفظة « الأجل » ، وفي تكرارها مخالفة لفنّ البيان؟
قلت : إنه استعملها في الموضعين بمعنيين مختلفين ، فقوله : « استقربوا الأجل » يعني المدة . وقوله : « فلاحظوا الأجل » يعني الموت نفسه .
ويروى : « موتِر » و « وموتّر » بالتشديد . ولا تؤسَى جراحه : لا تطبّ ولا تصلح ، أسوْت الجرح ، أي أصلحته . ولا ينقع : لا يروى ؛ شَرِب حتى نقع ، أي شفى غليله ، وماء ناقع ، وهو كالناجع ، وما رأيتُ شَرْبة أنقع منها .
وإلى قوله عليه السلام : « يجمع ما لا يأكل ، ويبني ما لا يسكن » نظر الشاعر ، فقال :
أموالُنا لذَوي الميراث نجمعُهاودُورنا لخراب الدهر نبْنيها
قوله : « ومن غِيرها أنّك ترى المرحوم مغبوطا والمغبوط مرحوماً » ، أي يصير الفقير غنياً والغني فقيراً . وأضحى فَيْئَها ، من أضحى الرجل إذا برز للشمس . ثم قال : « لا جاءٍ يُرَدّ