وَقَوْلُهُ : «وَلاَ شَفّانٍ ذِهَابهَا» فَإنّ تَقْديرَهُ : وَلاَ ذَاتَ شَفّانٍ ذِهَابهَا . وَالشّفّانُ : الرّيحُ البَارِدَةُ ، وَالذِّهَابُ : الأمْطَارُ اللّيّنَةُ . فَحَذَفَ (ذَاتَ) لِعِلْمِ السّامِعِ بِهِ .
الشّرْحُ :
يجوز أن يريد بقوله : « وهامت دوابُّنَا » معنىً غير ما فسره الشريف الرضيّ رحمه الله به ، وهو نُدودها وذهابُها على وجوهها لشدة المحْل، يقول : هام على وجهه ، يهيم هَيْما وهَيَمانا. والمرابض: مبارك الغنم، وهي لها كالمواطن للإبل، واحدها مَرْبِض، بكسر الباء مثل مجلِس. وعَجّت : صرخت . ويحتمل الضمير في « أولادها » أن يرجع إلى الثكالى ، أي كعجيج الثكالى على أولادهنّ ، ويحتمل أن يرجع إلى الدوابّ ، أي وعَجّت على أولادها كعجيج الثكالى ، وإنّما وصفها بالتَّحيُّر في مَرَابضها ؛ لأنّها لشدّة المحْل تتحيّر في مباركها ، ولا تدري ماذا تصنع ، إن نهضت لترعَى لم تجد رعياً ، وإن أقامت كانت إلى انقطاع المادّة أقرب!
قوله : « وملّت التردد في مراتعها ، والحنين إلى مواردها » ، وذلك لأنَّها أكثرتْ من التردّد في الأماكن التي كانت تعهد مراتعها فيها فلم تجد مرتعاً ، فملَّت التَّرداد إليها ، وكذلك ملَّت الحنين إلى الغدران والموارد التي كانت تعتادها للشرب ، فإنَّها حنّت إليها لما فقدتها ، حتى ضجرت ويئست فملّت مما لا فائدة لها فيه . والآنّة والحانّة : الشاة والناقة ، ويقال : ما له حانّة ولا آنّة . وأصل الأنين صوت المريض وشكواه من الوَصَب . والموالج : المداخل ؛ وإنما ابتدأ عليه السلام بذكر الأنعام وما أصابها من الجدْب اقتفاء بسنة رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم ، ولعادة العرب ، وتقدير دعائه عليه السلام : اللّهم إن كنتَ حرمتنا الغيث لسوء أعمالنا ، فارحم هذه الحيوانات التي لاَ ذنْب لها ولا تؤاخذها بذنوبنا . فاعتكرت : رَدِف بعضُها بعضاً ، وأصل عَكَر عطف . والعكْرة : الكرّة .
قوله : « وأخْلقتنا مخايل الجَوْد » ، أي كلَّما شِمْنا برقا ، واختلنا سحاباً ، أخلَفَنا ولم يمطر . والجَوْد : المطر الغزير . ويروى : « مخايل الجُود » بالضم . والمبتئس : ذو البؤس . والبلاغ للملتمس ، أي الكفاية للطالب . وتقول : قَنط فلان ، بالفتح ، يقنُط ويقنِط ، بالكسر والضم ، فهو قانط . وفيه لغة أُخرى قَنِط بالكسر ، يقنَط قنَطاً ، مثل تعِب يتعَب تعبا ، وقناطةً أيضاً ، فهو قنِط . وقرئ : « فَلا تَكُنْ مِن الْقَـنِطِينَ »۱ . وإنما قال : « ومُنِع الغمام » ، فبنى الفعلَ للمفعول به ؛ لأ نّه كره أن يضيف المنع إلى اللّه تعالى ، وهو منبَع النعم ، فاقتضى حسنُ الأدب أ نّه لم يسمّ