اضْرِبْ بِطَرْفِكَ حَيْثُ شِئْتَ مِنَ النَّاس ، فَهَلْ تُبْصِرُ إِلاَّ فَقِيراً يُكَابِدُ فَقْراً ، أَوْ غَنِيّاً بَدَّلَ نِعْمَةَ اللّهِ كُفْراً ، أَوْ بَخِيلاً اتَّخَذَ الْبُخْلَ بِحَقِّ اللّهِ وَفْراً ، أَوْ مُتَمَرِّداً كَأَنَّ بِأُذُنِهِ عَنْ سَمْعِ الْمَوَاعِظِ وَقْراً ! أَيْنَ أخيَارُكُمْ وَصُلَحَاؤكُمْ ! وَأَحْرَارُكُمْ وَسُمَحَاؤكُمْ ؟! وَأَيْنَ الْمُتَوَرِّعُونَ فِي مَكَاسِبِهِمْ ، وَالْمُتَنَزِّهُونَ فِي مَذَاهِبِهمْ ؟ أَلَيْسَ قَدْ ظَعَنُوا جَمِيعاً عَنْ هذِهِ الدُّنْيَا الدَّنِيَّةِ ، وَالْعَاجِلَةِ الْمُنَغِّصَةِ . وَهَلْ خُلِّفْتُم إِلاَّ فِي حُثَالَةٍ لاَ تَلْتَقِي بِذَمِّهِمُ الشَّفَتَانِ ، اسْتِصْغَاراً لِقَدْرِهِمْ ، وَذَهَاباً عَنْ ذِكْرِهِمْ ؟! فَإِنَّا للّه وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ!
ظَهَرَ الْفَسَادُ ، فَـلاَ مُنْكِرٌ مُغَيِّرٌ ، وَلاَ زَاجرٌ مُزْدَجِرٌ . أَفَبِهذَا تُرِيدُونَ أَنْ تُجَاوِرُوا اللّهَ فِي دَارِ قُدْسِهِ ، وَتَكُونُوا أَعَزَّ أَوْلِيَائِهِ عِنْدَهُ ؟ هَيْهَاتَ ! لاَ يُخْدَعُ اللّهُ عَنْ جَنَّتِهِ ، وَلاَ تُنَالُ مَرْضَاتُهُ إِلاَّ بِطَاعَتِهِ . لَعَنَ اللّهُ الاْمِرِينَ بِالْمَعْرُوفِ التَّارِكِينَ لَهُ ، وَالنَّاهِينَ عَنِ المُنْكَرِ الْعَامِلِينَ بِهِ!
الشّرْحُ :
أثوياء : جمع ثوِيّ ، وهو الضيف ، كقويّ وأقوياء . ومؤجّلون : مؤخَّرون إلى أجَل ، أي وقت معلوم . ومدينُون : مُقْرَضُون ، دِنْتُ الرجل أقرضتُه ، فهو مدين ومديون ، ودنت أيضاً ، إذا استقرضت ، وصار عليّ دين ، فأنا دائن . ومقتضَوْن: جمع مقتضَى ، أي مطالَب بأداء الدين ، كمرتضوْن جمع مرتَضى ، ومصطفوْن جمع مصطفَى . وقوله : « أجل منقوص » ، أي عمر ، وقد جاء عنهم : أطال اللّه أجَلك ، أي عمرَك وبقاءك . والدائب : المجتهد ذو الجِدّ والتعب . والكادح : الساعي .
ومثل قوله : « فربّ دائب مضيّع ، وربّ كادح خاسر » ، قول الشاعر :
إذا لم يكنْ عونٌ من اللّهِ للْفَتَىفأكثُر ما يجنِي عليهِ اجتهادُهُ
وهو كثير ، والأصل فيه قوله تعالى : « وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ * عَامِلَةٌ نَاصِبَةٌ * تَصْلَى نَارا حَامِيَةً »۱ ويروى : « فربّ دائب مضِيع » بغير تشديد .