453
تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1

ونقيضه . وأمّا قوله : « ولا يخالف بصاحبه عن اللّه » ؛ فهو أ نّه لا يأخذ بالإنسان المعتمد عليه إلى غيرِ اللّه ، أي لا يهديه إلاّ إلى جناب الحقّ سبحانه ؛ ولا يعرُج به إلى جناب الشيطان ، يقال : خالفتُ بفلان عن فلان ، إذا أخذت به غير نحوه ، وسلكت به غير جهته .
فأمّا قوله : « قد اصطلحتم عَلَى الغِلّ » إلى آخر الفصل ، فكلامٌ مقطوع أيضاً عَمّا قبله . والغِلّ : الحِقْد . والدِّمَن : جمع دِمْنة ؛ وهي الحقد أيضاً ، وقد دمِنت قلوبهم بالكسر ، أي ضغِنت . ونبت المرعى عليها ، أي دامت وطال الزمان عليها ؛ حتى صارت بمنزلة الأرض الجامدة الثابتة الّتي تنبت النبات . ويجوز أن يريدَ بالدّمَن هاهنا جمع دِمْن وهو البَعْر المجتمع كالمزبلة ؛ أو جمع دِمْنة وهي آثار الناس وما سوّدوا من الأرض ؛ يقال : قد دمّن الشاء الماء ، وقد دمّن القوم الأرض ؛ فشبّه ما في قلوبهم من الغلّ والحِقْد والضغائن بالمزبلة المجتمعة من البعْر وغيره ؛ من سُقَاطة الديار التي قد طال مكثها حتى نبت عليها المرعى . قوله عليه السلام : « لقد استهام بكم الخبيث » ، يعني الشيطان . واستهام بكم : جعلكم هائمين ، أي استهامكم فعدّاه بحرف الجرّ ، كما تقول في « استنفرتُ القوم إلى الحرب » استنفرتُ بهم ، أي جعلتهم نافرين . ويمكن أن يكون بمعنى الطلب والاستدعاء ، كقولك : استعلمتُ منه حال كذا ، أي استدعيت منه أن يعلمِني ، فيكون قوله : « واستهام بكم الخبيث » ، أي استدعى منكم أن تهيموا وتقعوا في التِّيه والضلال والحيرة . قوله « وتاه بكم الغَرور » ، هو الشيطان أيضاً ، قال سبحانه : « وَغَرَّكُمْ باللّهِ الْغَرُورُ »۱ . وتاه بكم : جعلكم تائهين حائرين . ثم سأل اللّه أن يعينه على نفسِه وعليهم .

134

الأصْلُ :

۰.ومن كلام له عليه السلام وقد شاوره عمر بن الخطاب في الخروج إلى غزو الروموَقَدْ تَوَكَّلَ اللّهُ لِأَهْلِ هذَا الدِّينِ بِإِعْزَازِ الْحَوْزَةِ ، وَسَتْرِ الْعَوْرَةِ . وَالَّذِي نَصَرَهُمْ ،

1.سورة الحديد ۱۴ .


تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1
452

تصريح بأنّ الراحة في الحياة التي تتعقّب الموت ؛ وهي حياة الأبد ، فلا منافاة إذا بين هذه الوجوه وبين ما قاله عليه السلام ؛ لأ نّه ما نفى إلاّ الرّاحة في الموت نفسه ؛ لا في الحياة الحاصلة بعده .
وأمير المؤمنين قال : ما مِنْ شيء من الملذّات إلاّ وهو مملول إلاّ الحياة ، وبين الملذّ والمخلص من الألم فرْقٌ واضح ؛ فلا يكون نقضا على كلامه .
فأمّا قوله عليه السلام : « وإنما ذلك بمنزلة الحكمة » ، إلى قوله : « وفيها الغنى كلّه والسلامة » ، ففصل آخر غير ملتئم بما قبله ؛ وهو إشارة إلى كلام من كلام رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم رواه لهم ، ثم حضّهم على التمسّك به ، والانتفاع بمواعظه ، وقال : إنّه بمنزلة الحكمة التي هي حياة القلوب ، ونور الأبصار ، وسَمْع الآذان الصمّ ، ورِيّ الأكباد الحرّى ؛ وفيها الغنى كلّه ، والسلامة ؛ والحكمة المشبَّه كلام الرسول صلى الله عليه و آله وسلم بها هي المذكورة في قوله تعالى : « وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرا كَثِيرا »۱ ، وفي قوله : « وَلَقَدْ آتيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ »۲ ، وفي قوله : « وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيّا »۳ وهي عبارة عن المعرفة باللّه تعالى ، وبما في مبدعاته من الأحكام الدالّة على علمه ؛ كتركيب الأفلاكِ ، ووضع العناصر مواضعَها ، ولطائف صنعة الإنسان وغيره من الحيوان ، وكيفية إنشاء النبات والمعادن ، وما في العالم من القوى المختلفة ، والتأثيرات المتنوعة ؛ الراجع ذلك كلُّه إلى حكمة الصانع وقدرته وعلمه ، تبارك اسمه!
فأمّا قوله : « وكتابُ اللّه » ، إلى قوله : « ولا يخالف بصاحبه عن اللّه » ، ففصل آخر مقطوع عَمّا قبله ، ومتّصل بما لم يذكره جامع « نهج البلاغة » .
فإن قلتَ : ما معنى قوله : « ولا يختلف في اللّه ، ولا يخالف بصاحبه عن اللّه » ؟ وهل بين هاتيْن الجملتيْن فرق؟
قلت : نعم ، أمّا قوله : « ولا يختلف في اللّه » ، فهو أنه لا يختلف في الدلالة على اللّه وصفاته ، أي لا يتناقض ، أي ليس في القرآن آيات مختلفة يدلُّ بعضُها عَلَى أ نّه يعلم كلّ المعلومات مثلاً ، وتدلّ الأُخرى على أ نّه لا يعلم كلّ المعلومات ؛ أو يدلّ بعضها على أ نّه لا يرى ، وبعضها على أ نّه يرى ، وليس وجودنا للآيات المشتبهة بقادح في هذا القول ؛ لأنّ آيات الجبر والتشبيه لا تدلّ ، وإنما توهِم ؛ ونحن إنّما نفينا أن يكون فيه ما يدلّ عَلَى الشيء

1.سورة البقرة ۲۶۹ .

2.سورة لقمان ۱۲ .

3.سورة مريم ۱۲ .

  • نام منبع :
    تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1
    تعداد جلد :
    2
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1384
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 142013
صفحه از 712
پرینت  ارسال به