459
تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1

الدار بالسهام . ورووا أيضا أنّ الزبير كان يقول : اقتلوه فقد بدّل دينكم . فقالوا : إن ابنك يحامِي عنه بالباب ، فقال : ما أكره أن يقتَل عثمان ولو بُدِئ بابني ؛ إن عثمان لجيفةٌ على الصراط غدا .
ثم قال عليه السلام : إن كنت شريكَهم في دم عثمان ؛ فإن لهم نصيبَهم منه ، فلا يجوز لهم أن يطلبوا بدمه وهم شركاء فيه ، وإن كانوا وَلُوه دوني ، فهم المطلوبون إذَنْ به لا غيرهم . ثم قال : وإنّ أوّل عدلهم لَلْحُكم على أنفسهم ؛ يقول : إنّ هؤلاء خرجوا ونقضوا البيْعة ، وقالوا : إنّما خرجنَا للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وإظهار العدل وإحياء الحقّ وإماتة الباطل ، وأوّل العدل أن يحكُموا على أنفسهم ؛ فإنّه يجب على الإنسان أن يقضيَ على نفسه ثم على غيره ، وإذا كان دم عثمان قبلهم ، فالواجب أن ينكروا على أنفسهم قبل إنكارهم على غيرهم . قال ؛ وإن معي لبصيرتي ، أي عقلي ؛ ما لبَسْتُ على الناس أمرهم ولا لُبِس الأمر عليّ ، أي لم يلبسه رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم عليّ بل أوضحه لي وعرّفنيه . ثم قال : وإنها للفئة الباغية ؛ لام التعريف في « الفئة » تشعِر بأنّ نصّا قد كان عنده : أنه ستخرج عليه فئة باغية ، ولم يعيَّن له وقتها ولا كلّ صفاتها ، بل بعض علاماتها ، فلما خرج أصحاب الجمل ورأى تلك العلاماتِ موجودة فيهم ؛ قال : وإنّها للفئة الباغية ، أي وإنّ هذه الفئة ، أي الفئة التي وُعِدت بخروجها عليّ ، ولولا هذا لقال : « وإنها لفئة باغية » ، على التنكير .
ثم ذكر بعض العلامات ، فقال : إنّ الأمر لواضح ، كلّ هذا يؤكّد به عند نفسه وعند غيره أنّ هذه الجماعة هي تلك الفئة الموعود بخروجها ، وقد ذهب الباطلُ وزاحَ ، وخرِس لسانه بعد شَغْبه . ثم أقسم ليملأنّ لهم حوضاً هو ماتحه ، وهذه كناية عن الحرب والهيجاء وما يتعقّبهما من القتل والهلاك . لا يصدرون عنه بريّ ، أي ليس كهذه الحياض الحقيقية التي إذا وَرَدَها الظمآن صَدَر عن رِيّ ونقع غليله ، بل لا يصدُرون عنه إلاّ وهم جَزَر السّيوف ، ولا يعبّون بعده في حِسْي لأنهم هلكوا ، فلا يشربون بعده البارد العذْب .

الأصْلُ :

۰.منه :فَأَقْبَلْتُمْ إِلَيَّ إِقْبَالَ الْعُوذِ الْمَطَافِيلِ عَلَى أَوْلاَدِهَا ، تَقُولُونَ : الْبَيْعَةَ الْبَيْعَةَ ! قَبَضْتُ


تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1
458

ما كان بسبب الرجل فهم الأحماء ؛ واحدهم « حما » مثل قفا وأقفاء ، وما كان بسبب المرأة فهم الأخاتن ؛ فأمّا الأصهار فيجمع الجهتين جمعاً . وكان الزُّبير ابن عَمّة رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم ؛ وقد كان النبيّ صلى الله عليه و آله وسلم أعلمَ عليّا بأنّ فئة من المسلمين تبغي عليه أيّام خلافته ، فيها بعضُ زوجاته وبعض أحمائه ، فكنَى عليّ عليه السلام عن الزّوْجة بالحُمَة وهي سمّ العقرب ، ويروى : «والحَم ء » يضرَب مثلا لغير الطيِّب ولغير الصافي ؛ وظهر أنّ الحمْ ء الذي أخبر النبي صلى الله عليه و آله وسلمبخروجه مع هؤلاء البغاة هو الزّبير ابنُ عمته . وفي الحما أربع لغات : حَمَا مثل قفا ، وحَمْ ء مثل كَمْ ء ، وحَمُو مثل « أبو » ، وحمٍ مثل أبٍ .
قوله عليه السلام : « والشبهة المغدَفة » أي الخفيّة ، وأصله المرأة تُغْدِف وجهها بقناعها ، أي تستره . وروى : « المُغدِفة » بكسر الدال ، من أغدف الليل ، أي أظلم . وزاح الباطل ، أي بَعُد وذهب ، وأزاحه غيره . وعن نصابه : عن مركزه وقرّه ، ومنه قول بعض المحدَثين :

قد رجع الحقُّ إلى نصابِهِوأنت من دون الورى أولَى بِهِ
والشّغْب ، بالتسكين : تهييج الشرّ ، شَغَب الحقد بالفتح شَغْباً ، وقد جاء بالتحريك في لغة ضعيفة ، وماضيها شَغِب ، بالكسر . ولَأُفرِطنّ لهم حوضا ، أي لأملأنّ ، يقال : أفرطتُ المزادة أي ملأتها ، وغدير مفرَط ، أي ملآن . والماتح ، بنقطتين من فوق : المستقِي من فوقُ ، وبالياء : مالئ الدّلاء من تحت . والعَبّ : الشرب بلا مصّ كما تشرب الدابّة . والحِسْى : ماء كامنٌ في رمل يحفَر عنه فيستخرَج ، وجمعه أحساء .
يقول عليه السلام : واللّه ما أنكروا عليَّ أمرا هو منكَر في الحقيقة ، وإنّما أنكروا ما الحجة عليهم فيه لا لهم ؛ وحملَهم على ذلك الحسد وحبّ الاستئثار بالدنيا والتفضيل في العطاء ؛ وغير ذلك مما لم يكن أمير المؤمنين عليه السلام يراه ولا يستجيزه في الدين . قال : ولا جعلوا بيني وبينهم نِصْفاً ، يعني وسيطاً يحكم ويُنصف ، بل خرجوا عن الطاعة بغتة ؛ وإنهم ليطلبون حقاً تركوه ، أي يظهرون أنهم يطلبون حقاً بخروجهم إلى البصرة وقد تركوا الحق بالمدينة .
قال : ودما هم سفكوه ؛ يعني دم عثمان ؛ وكان طلحة من أشدّ الناس تحريضا عليه ، وكان الزّبير دونه في ذلك . روي أنّ عثمان قال : ويلي على ابن الحضْرميّة ـ يعني طلحة ـ أعطيتُه كذا وكذا بُهارا ذهباً ؛ وهو يروم دمى يحرّض على نفسي ؛ اللّهم لا تمتّعه به ولَقِّه عواقب بغيِه ۱ . وروي أنّ طلحة كان يوم قتل عثمان مقنّعا بثوب قد استتر به عن أعين الناس ، يرمي

1.انظر النهاية ۱ : ۱۰۱ .

  • نام منبع :
    تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1
    تعداد جلد :
    2
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1384
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 183074
صفحه از 712
پرینت  ارسال به