493
تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1

على أسيافهم التي جَرّدوها للحرب .

الأصْلُ :

۰.حَتَّى إِذَا قَبَضَ اللّهُ رَسُولَهُ صَلَّى اللّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ ، رَجَعَ قَوْمٌ عَلَى الْأَعْقَابِ ، وَغَالَتْهُمُ السُّبُلُ ، وَاتَّكَلُوا عَلَى الْوَلاَئِجِ ، وَوَصَلُوا غَيْرَ الرَّحِمِ ، وَهَجَرُوا السَّبَبَ الَّذِي أُمِرُوا بِمَوَدَّتِهِ ، وَنَقَلُوا الْبِنَاءَ عَنْ رَصِّ أَسَاسِهِ ، فَبَنَوْهُ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ .
مَعَادِنُ كُلِّ خَطِيئَةٍ ، وَأَبْوَابُ كُلِّ ضَارِبٍ فِي غَمْرَةٍ . قَدْ مَارُوا فِي الْحَيْرَةِ ، وَذَهَلُوا فِي السَّكْرَةِ ، عَلَى سُنَّةٍ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ : مِنْ مُنْقَطِعٍ إِلَى الدُّنْيَا رَاكِنٍ ، أَوْ مُفَارِقٍ لِلدِّينِ مُبَايِنٍ .

الشّرْحُ :

رجعوا على الأعقاب : تركوا ما كانوا عليه ، قال سبحانه : « وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللّهَ شَيْئا »۱ . وغالتْهم السُّبُل : أهلكَهُم اختلاف الآراءِ والأهواء ، غاله كذا ، أي أهلكه ، والسُّبُل : الطرق . والولائج : جمع وَلِيجة ، وهي البِطَانة يتّخذها الإنسان لنفسه ، قال سبحانه : « وَلَم يتّخِذُوا مِنْ دُونِ اللّهِ وَلاَ رَسُولِهِ وَلاَ الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً »۲ . ووصلوا غير الرَّحِم ، أي غير رحِم الرسول صلى الله عليه و آله وسلم ، فذكرها عليه السلام ذِكْرا مطلقا غير مضاف للعلْم بها ، كما يقول القائل : « أهل البيت » ، فيعلم السامع أنه أراد أهلَ بيت الرسول . وهَجَرُوا السبب ، يعني أهلَ البيت أيضا ؛ وهذه إشارة إلى قول النبي صلى الله عليه و آله وسلم : « خَلَّفْتُ فيكم الثَّقَليْن : كتاب اللّه وعِترتي أهل بيتي ؛ حبْلان ممدودان من السماء إلى الأرض ، لا يفترقان حتى يرِدَا عليّ الحوض » ۳ ، فعبّر أمير

1.سورة آل عمران ۱۴۴ .

2.سورة التوبة ۱۶ .

3.الحديث مما أجمعت واتفقت الأئمة والحفّاظ على صحّته ، حتى إنّ البعض أرسله إرسال المسلّمات . وممّن أخرجه على سبيل المثال : الإمام مسلم في صحيحه ۵ : ۲۶ ـ ۲۷ ح۳۶ و۳۷ ، وأحمد ابن حنبل في المسند : الأحاديث / ۱۰۷۲۰ و۱۰۷۴۷ و۱۸۷۸۰ و۲۱۰۶۸ ، والسيوطي في تفسيره الدر المنثور ۲ : ۶۰ في تفسير الآية (۱۰۳) من سورة آل عمران . كما أخرجه ملك الحفّاظ ابن مردويه من تسعة وثمانين طريقاً .


تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1
492

الشّرْحُ :

هذا الكلام يتّصل بكلام قبله ، لم يذكره الرضيّ ؛ ، وهو وصف فئة ضالّة قد استولتْ ومَلكت ، وأملى لها اللّه سبحانه . قال عليه السلام : وطال الأمدُ بهم ليستكملوا الخزْي ، ويستوجبوا الغِيَر ، أي النعم التي يغيّرها بهم من نعم اللّه سبحانه ، كما قال : « وَإذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرا »۱ . حتى إذا اخلولَق الأجَل ، أي قارب أمرُهم الانقضاءَ ، من قولك : اخلولق السّحاب ، أي استوى ، وصار خليقا بأن يمطر ، واخلولق الرسمُ : استوى مع الأرض . واستراح قوم إلى الفتن ، أي صبا قومٌ من شيعتنا وأوليائنا إلى هذه الفئة ، واستراحوا إلى ضلالها وفتنتها ، واتّبعوها . واشتالوا عن لَقاح حَرْبهم ، أي رفعوا أيديهم وسيوفهم عن أن يشبّوا الحرب بينهم وبين هذه الفئة ، مهادَنةً لها وسلماً وكراهية للقتال ، يقال : شال فلان كذا ، أي رفعه ، واشتال « افتعل » هو في نفسِه ، كقولك : حَجَم زيد عمراً ، واحتجم هو نفسُه . ولَقاح حربهم : هو بفتح اللام ، مصدر من لَقحت الناقة .
قوله : « لم يمنُّوا » ، هذا جواب قوله : « حتى إذا » ، والضمير في « يمنّوا » راجع إلى العارفين الذين تقدّم ذكرهم في الفصل السابق ذكره ، يقول : حتى إذا ألقى هؤلاء السّلام إلى هذه الفئة عجزا عن القتال ، واستراحوا من منابذتهم بدخولهم في ضلالتهم وفتنتهم ، إمّا تقيَّة منهم ، أو لشبهة دخلت عليهم ، أنهض اللّه تعالى هؤلاء العارفين الشجعان الّذين خصّهم بحكمته ، وأطلعهم على أسرار مَلكوته فنهضوا ، ولم يمنُّوا على اللّه تعالى بصبرِهم ، ولم يستعظموا أن يبذُلوا في الحقّ نفوسَهم ؛ قال : حتّى إذا وافق قضاء اللّه تعالى وقَدَره كي ينهض هؤلاء بقضاء اللّه وقدره في انقضاء مدة تلك الفئة ، وارتفاع ما كان شَمِل الخلْق من البلاء بملكها وإمْرتها ، حَمل هؤلاء العارفون بصائرَهم على أسيافهم . وهذا معنى لطيف ، يعني أنّهم أظهروا بصائرهم وعقائدهم وقلوبهم للناس ، وكشفوها وجرّدوها من أجفانها ، مع تجريد السيوف من أجفانها ، فكأنها شيء محمول على السيوف يبصره مَنْ يبصرِ السيوف ، ولا ريبَ أنّ السيوف المجرّدة من أجلى الأجسام للأبصار ، فكذلك ما يكون محمولاً عليها ، ومِن النّاس مَنْ فسّر هذا الكلام ، فقال : أراد بالبصائر جمع بصيرة ، وهو الدم ، فكأنه أراد طلبوا ثأرهم والدماء التي سفكتها هذه الفئة ، وكأنّ تلك الدماء المطلوب ثأرها محمولة

1.سورة الاسراء ۱۶ .

  • نام منبع :
    تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1
    تعداد جلد :
    2
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1384
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 183362
صفحه از 712
پرینت  ارسال به