495
تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1

اللّه بن الزبير ، وسعيد بن العاص ، وحوشب ، وذِي الكَلاع ، وشُرَحْبيل بن السّمط ، وأبي الأعور السلميّ ؛ وغيرهم ممن تقدّم ذكرُنا له في الفصول المتعلّقة بصِفّين وأخبارها ، فإنّ هؤلاء نقلوا الإمامة عنه عليه السلام إلى معاوية ، فنقلوا البناء عن رصّ أصله إلى غير موضعه .
فإن قلت : لفظ الفصل يشهدُ بخلاف ما تأوّلتَه ؛ لأ نّه قال عليه السلام : حتى إذا قبض اللّه رسوله رجع قوم على الأعقاب ، فجعل رجوعَهم على الأعقاب عَقِيب قَبْض الرسول صلى الله عليه و آله وسلم، وما ذكرتَه أنتَ كان بعد قَبْض الرّسول بنيّف وعشرين سنة!
قلت : ليس يمتنع أن يكونَ هؤلاء المذكورون رجعوا على الأعقاب ، لمّا مات رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم ، وأضْمَرُوا في أنفسهم مشاقّة أمير المؤمنين وأذاه ، وقد كان فيهم مَنْ يتحكّك به في أيام أبي بكر وعمر وعثمان ، ويتعرّض له ؛ ولم يكن أحدٌ منهم ولا من غيرهم يُقدِم على ذلك في حياة رسول اللّه . ولا يمتنع أيضا أن يريد برجوعهم على الأعقاب ارتدَادهم عن الإسلام بالكلّيّة ، فإنّ كثيرا من أصحابنا يطعنون في إيمان بعض مَنْ ذكرناه ويعدّونهم من المنافقين ، وقد كان سيفُ رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم يقمَعُهم ، ويردَعُهم عن إظهار ما في أنفسهم من النّفاق ، فأظهر قومٌ منهم بعده ما كانوا يضْمِرُونه من ذلك ؛ خصوصا فيما يتعلّق ب أمير المؤمنين ، الذي وَرَد في حقّه : « ما كنّا نعرِفُ المنافِقِين عَلَى عَهْدِ رسول اللّه إلاّ ببغض عليّ ابن أبي طالب » ، وهو خَبَرٌ محقّق مذكور في الصّحاح.
فإن قلت : يمنعك من هذا التأويل قوله : « ونقلوا البنَاء عن رصّ أساسه ، فجعلوه في غير موضعه » ، وذلك لأنّ « إذا » ظرف ؛ والعامل فيها قوله : « رجع قومٌ على الأعقاب » وقد عطف عليه قوله : « ونقلوا البناء » ؛ فإذا كان الرّجوع على الأعقاب واقعا في الظروف المذكور ، وهو وقت قبض الرسول ، وجَب أن يكون نقل البناء إلى غير موضعه واقعا في ذلك الوقت أيضا ؛ لأنّ أحد الفعلين معطوف على الآخر ، ولم ينقلْ أحدٌ وقتَ قبض الرسول صلى الله عليه و آله وسلمالبناءَ إلى معاوية عن أمير المؤمنين عليه السلام ، وإنّما نُقِل عنه إلى شخص آخر ، وفي إعطاء العطف حقّه إثبات مذهب الإماميّة صريحا!
قلت : إذا كان الرجوعُ على الأعقاب واقعا وقت قبْض النبي صلى الله عليه و آله وسلم فقد قمنا بما يجبُ من وجود عامل في الظرف ، ولا يجب أن يكون نقل البناء إلى غير موضعه واقعا في تلك الحال أيضا ، بل يجوز أن يكون واقعا في زمان آخر ؛ إمّا بأن تكون الواو للاستئناف لا للعطف ، أو بأن تكون للعطف في مطلق الحدث لا في وقوع الحَدث في عين ذلك الزّمان المخصوص ،


تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1
494

المؤمنين عن أهل البيت بلفظ « السبب » لمّا كان النبي صلى الله عليه و آله وسلم قال : « حَبْلان » ، والسبب في اللغة : الحبل .
عَنَى بقوله : « أُمِرُوا بمودّته » قولَ اللّه تعالى : « قُلْ لاَ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرا إلاّ المَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى »۱ . قوله : « ونقلوا البناء عن رصّ أساسه » ؛ الرّصّ مصدر رَصَصْت الشيء أرصّه ، أي ألصقت بعضه ببعض ؛ ومنه قوله تعالى : « كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ »۲ ، وتَراصّ القوم في الصف ، أي تلاصقوا . فبنوْه في غير موضعه ! ونقلوا الأمر عن أهله إلى غير أهله .
ثم ذمّهم عليه السلام ، وقال : « إنّهم معادن كلّ خطيئة ، وأبواب كل ضاربٍ في غَمْرة » ، الغمرة : الضّلال والجهل . والضّارب فيها : الداخل المعتقد لها . قد ماروا في الحيْرة ، مارَ يمُور إذا ذهب وجاء ، فكأنّهم يسبحون في الحيرة كما يَسْبَح الإنسان في الماء . وذهَل فلان ، بالفتح ، يذْهَل . على سنّة من آل فرعون ، أي على طريقة ، وآل فرعون : أتباعه ، قال تعالى : « أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ العَذَابِ »۳ . من منقطِع إلى الدنيا : لا همّ له غيرها . راكن : مخلِد إليها ، « وَلاَ تَرْكَنُوا إلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا »۴ . أو مفارق للدين مباين : مزايل .
فإن قلت : أيّ فَرْق بين الرَّجُلين ؟ وهل يكون المنقطِع إلى الدنيا إلاّ مفارقاً للدين؟
قلت : قد يكون في أهل الضلال مَنْ هو مفارق للدين مباين ؛ وليس براكنٍ إلى الدنيا ولا منقطِع إليها ؛ كما نرى كثيرا من أحْبَار النصارى ورهبانهم .
فإن قلت : أليس هذا الفصل صريحا في تحقيق مذهب الإمامية؟
قلت : لا ، بل نحمله على أنه عَنَى عليه السلام أعداءه الذين حاربوه من قريش وغيرهم من أفناء العرب ، في أيام صِفّين ، وهم الذين نقلوا البناء ، وهجروا السبب ، ووصلُوا غَير الرَّحِم ، واتّكلوا على الولائج ، وغالتهم السُبل ، ورجعوا على الأعقاب ؛ كعمرو بن العاص ، والمغيرة ابن شعبة ، ومَرْوان بن الحكم ، والوليد بن عُقْبة ، وحبيب بن مسلَمة ، وبُسْر بن أرطاة ، وعبد

1.سورة الشورى ۲۳ .

2.سورة الصف ۴ .

3.سورة غافر ۴۶ .

4.سورة هود ۱۱۳ .

  • نام منبع :
    تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1
    تعداد جلد :
    2
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1384
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 183305
صفحه از 712
پرینت  ارسال به