اللّه بن الزبير ، وسعيد بن العاص ، وحوشب ، وذِي الكَلاع ، وشُرَحْبيل بن السّمط ، وأبي الأعور السلميّ ؛ وغيرهم ممن تقدّم ذكرُنا له في الفصول المتعلّقة بصِفّين وأخبارها ، فإنّ هؤلاء نقلوا الإمامة عنه عليه السلام إلى معاوية ، فنقلوا البناء عن رصّ أصله إلى غير موضعه .
فإن قلت : لفظ الفصل يشهدُ بخلاف ما تأوّلتَه ؛ لأ نّه قال عليه السلام : حتى إذا قبض اللّه رسوله رجع قوم على الأعقاب ، فجعل رجوعَهم على الأعقاب عَقِيب قَبْض الرسول صلى الله عليه و آله وسلم، وما ذكرتَه أنتَ كان بعد قَبْض الرّسول بنيّف وعشرين سنة!
قلت : ليس يمتنع أن يكونَ هؤلاء المذكورون رجعوا على الأعقاب ، لمّا مات رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم ، وأضْمَرُوا في أنفسهم مشاقّة أمير المؤمنين وأذاه ، وقد كان فيهم مَنْ يتحكّك به في أيام أبي بكر وعمر وعثمان ، ويتعرّض له ؛ ولم يكن أحدٌ منهم ولا من غيرهم يُقدِم على ذلك في حياة رسول اللّه . ولا يمتنع أيضا أن يريد برجوعهم على الأعقاب ارتدَادهم عن الإسلام بالكلّيّة ، فإنّ كثيرا من أصحابنا يطعنون في إيمان بعض مَنْ ذكرناه ويعدّونهم من المنافقين ، وقد كان سيفُ رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم يقمَعُهم ، ويردَعُهم عن إظهار ما في أنفسهم من النّفاق ، فأظهر قومٌ منهم بعده ما كانوا يضْمِرُونه من ذلك ؛ خصوصا فيما يتعلّق ب أمير المؤمنين ، الذي وَرَد في حقّه : « ما كنّا نعرِفُ المنافِقِين عَلَى عَهْدِ رسول اللّه إلاّ ببغض عليّ ابن أبي طالب » ، وهو خَبَرٌ محقّق مذكور في الصّحاح.
فإن قلت : يمنعك من هذا التأويل قوله : « ونقلوا البنَاء عن رصّ أساسه ، فجعلوه في غير موضعه » ، وذلك لأنّ « إذا » ظرف ؛ والعامل فيها قوله : « رجع قومٌ على الأعقاب » وقد عطف عليه قوله : « ونقلوا البناء » ؛ فإذا كان الرّجوع على الأعقاب واقعا في الظروف المذكور ، وهو وقت قبض الرسول ، وجَب أن يكون نقل البناء إلى غير موضعه واقعا في ذلك الوقت أيضا ؛ لأنّ أحد الفعلين معطوف على الآخر ، ولم ينقلْ أحدٌ وقتَ قبض الرسول صلى الله عليه و آله وسلمالبناءَ إلى معاوية عن أمير المؤمنين عليه السلام ، وإنّما نُقِل عنه إلى شخص آخر ، وفي إعطاء العطف حقّه إثبات مذهب الإماميّة صريحا!
قلت : إذا كان الرجوعُ على الأعقاب واقعا وقت قبْض النبي صلى الله عليه و آله وسلم فقد قمنا بما يجبُ من وجود عامل في الظرف ، ولا يجب أن يكون نقل البناء إلى غير موضعه واقعا في تلك الحال أيضا ، بل يجوز أن يكون واقعا في زمان آخر ؛ إمّا بأن تكون الواو للاستئناف لا للعطف ، أو بأن تكون للعطف في مطلق الحدث لا في وقوع الحَدث في عين ذلك الزّمان المخصوص ،