151
الأصْلُ :
۰.ومن خطبة له عليه السلاموَأَسْتَعِينُهُ عَلَى مَدَاحِرِ الشَّيْطَانِ وَمَزَاجِرِهِ ، وَالاِعْتِصَامِ مِنْ حَبَائِلِهِ وَمَخَاتِلِهِ ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ، وَنَجِيبُهُ وَصَفْوَتُهُ .لاَ يُؤَازَى فَضْلُهُ ، وَلاَ يُجْبَرُ فَقْدُهُ . أَضَاءَتْ بِهِ الْبِلاَدُ بَعْدَ الضَّلاَلَةِ الْمُظلمَةِ ، وَالْجَهَالَةِ الْغَالِبَةِ ، وَالْجَفْوَةِ الْجَافِيَةِ؛ وَالنَّاسُ يَسْتَحِلُّونَ الْحَرِيمَ ، وَيَسْتَذِلُّونَ الْحَكِيمَ ؛ يَحْيَوْنَ عَلَى فَتْرَةٍ ، وَيَمُوتُونَ عَلَى كَفْرَةٍ .
ثُمَّ إِنَّكُمْ مَعْشَرَ الْعَرَبِ أَغْرَاضُ بَلاَيَا قَدِ اقْتَرَبَتْ . فَاتَّقُوا سَكَرَاتِ النِّعْمَةِ ،
وَاحْذَرُوا بَوَائِقَ النِّقْمَةِ ، وَتَثَبَّتُوا فِي قَتَامِ الْعِشْوَةِ ، وَاعْوِجَاجِ الْفِتْنَةِ عِنْدَ طُلُوعِ جَنِينِهَا ، وَظُهُورِ كَمِينِهَا ، وَانْتِصَابِ قُطْبِهَا ، وَمَدَارِ رَحَاهَا ، تَبْدَأُ فِي مَدَارِجَ خَفِيَّةٍ ، وَتَؤولُ إِلَى فَظَاعَةٍ جَلِيَّة . شِبَابُهَا كَشِبَابِ الْغُـلاَمِ ، وَآثَارُهَا كَآثَارِ السِّلاَمِ ، يَتَوَارَثُهَا الظَلَمَةُ بالْعُهُودِ ! أَوَّلُهُمْ قَائِدٌ لاِخِرِهِمْ ، وَآخِرُهُمْ مُقْتَدٍ بأَوَّلِهِمْ؛ يَتَنَافَسُونَ في دُنيَا دَنِيَّةٍ ، وَيَتَكَالَبُونَ عَلَى جِيفَةٍ مُرِيحَةٍ . وَعَنْ قَلِيلٍ يَتَبَرَّأُ التَّابِعُ مِنَ المَتبُوعِ ، وَالْقَائِدُ مِنَ الْمَقُودِ ، فَيَتَزَايَلُونَ بِالْبَغْضَاءِ ، وَيَتَلاَعَنُونَ عِنْدَ اللِّقَاءِ .
ثُمَّ يَأتِي بَعْدَ ذلِكَ طَالِعُ الْفِتْنَةِ الرَّجُوفِ ، وَالْقَاصِمَةِ الزَّحُوفِ ، فَتَزِيغُ قُلُوبٌ بَعْدَ اسْتِقَامَةٍ ، وَتَضِلُّ رِجَالٌ بَعْدَ سَلاَمَةٍ؛ وَتَخْتَلِفُ الأَهْوَاءُ عِنْدَ هُجُومِهَا ، وَتَلْتَبِسُ الاْرَاءُ عِنْدَ نُجُومِهَا . مَنْ أَشْرَفَ لَهَا قَصَمَتْهُ ، وَمَنْ سَعَى فِيهَا حَطَمَتْهُ ؛ يَتَكَادَمُونَ فِيهَا تَكَادُمَ الْحُمُرِ فِي الْعَانَةِ ! قَدِ اضْطَرَبَ مَعْقُودُ الْحَبْلِ ، وَعَمِيَ وَجْهُ الْأَمْرِ . تَغِيضُ فِيهَا الْحِكْمَةُ ، وَتَنْطِقُ فِيهَا الظَلَمَةُ ، وَتَدُقُّ أَهْلَ الْبَدْوِ بِمِسْحَلِهَا ، وَتَرُضُّهُمْ بِكَلْكَلِهَا !