499
تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1

فَتَبَيَّنُوا » 1 و « فثبُّتوا » . واعوجاج الفتنة : أخذها في غَيْرِ القَصْد ، وعدولها عن المنهج . ثم كَنَى عن ظهور المستور المخفيّ منها بقوله : « عند طلوع جنينها ، وظهور كمينِها » ، والجنين : الولد ما دام في البطْن ، والجمع أجِنّة ، ويجوز ألاّ يكون الكلام كناية بل صريحا ؛ أي عند طلوع ما استحنّ منها ؛ أي استتر وظهور ما كمن ، أي ما بطن . وكَنّى عن استحكام أمر الفتنة بقوله : « وانتصاب قطبها ، ومدار رحاها » . ثم قال : إنّها تبدو يسيرة ، ثم تصير كثيرة . والفظاعة . مصدر فظُع بالضم ، فهو فظيع ، أي شديد شنيع تجاوز المقدار ، وكذلك أفظَع الرجل فهو مُفظِع ، وأُفْظِعَ الرجل على ما لم يسمّ فاعله : نزل به أمر عظيم ، وأفظعت الشيء : وجدته فظيعاً ، ومثله استفظعته ، وهذا المعنى كما قال الشاعر :

وَلَرُبَّما هَاجَ الكَبِيــرَ من الأُمور لك الصغير
وفي المثل : « والشر تبدؤه صغاره » . قوله : « شِبابها كشِباب الغلام » بالكسر ، مصدر
شبّ الفرس والغلام يشِبّ ويشَبّ شباباً وشبيباً ، إذا قمص ولعب ، وأشببتُه أنا ، أي هَيّجْتُه . والسِّلام : الحجارة جمع ، واحده سَلِمة بكسر اللام ؛ يذكر الفتنة ، ويقول : انّها تبدو في أوّل الأمر وأربابها يمرحون ويشبّون كما يشِبّ الغلام ويمرح ، ثم تؤول إلى أن تعقب فيهم آثاراً ، كآثار الحجارة في الأبدان .
ثم ذكر أنّ هذه الفتنة يتوارثها قوم من قوم ، وكلّهم ظالم ، أولهم يقود آخرهم ؛ كما يقود الإنسان القطارَ من الإبل وهو أمامها وهي تتبعه . وآخرهم يقتدِي بأوّلهم ، أي يفعل فعلَه ويحذو حذوَه . وجيفة مرِيحة : منتنة ، أراحت : ظهر ريحُها . ويجوز أن تكون من أراحَ البعير ، أي مات ، وقد جاء في « أراح » بمعنى أنتن « راح » بلا همز . ثم ذكر تبرّؤ التابع من المتبوع ، يعني يوم القيامة . ثم ذكر عليه السلام أنّ القائد يتبرّأ من المقود ، أي يتبرّأ المتبوع من التابع فيكون كلٌّ من الفريقين تَبَرّأ من صاحبه ، كما قال سبحانه : « ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلعَنُ بَعْضكُمْ بَعْضا » 2 . ويتزايلون : يتفرّقون .
قوله : « ثم يأتي بعد ذلك طالع الفتنة الرّجوف » . طالعها : مقدّماتها وأوائلها ؛ وسمّـاها « رَجوفا » ، لشدّة الاضطراب فيها .

1.سورة الحجرات ۶ .

2.سورة العنكبوت ۲۵ .


تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1
498

يَضِيعُ فِي غُبَارِهَا الْوُحْدَانُ ، وَيَهْلِكُ فِي طَرِيقِهَا الرُّكْبَانُ ؛ تَرِدُ بِمُرِّ الْقَضَاءِ ، وَتَحْلُبُ عَبِيطَ الدِّمَاءِ ، وَتَثْلِمُ مَنَارَ الدِّينِ ، وَتَنْقُضُ عَقْدَ الْيَقِينِ . يَهْرُبُ مِنْهَا الأَكْيَاسُ ، وَيُدَبِّرُهَا الْأَرْجَاسُ ، مِرْعَادٌ مِبْرَاقٌ ، كَاشِفَةٌ عَنْ سَاقٍ ! تُقْطَعُ فِيهَا الأَرْحَامُ ، وَيُفَارَقُ عَلَيْهَا الإِسْلاَمُ ! بَرِيُّهَا سَقِيمٌ ، وَظَاعِنُهَا مُقِيمٌ!

الشّرْحُ :

مداحر الشيطان : الأُمور التي يُدحَرُ بها ، أي يطرد ويبعد ، دحرتُه أدْحَرُهُ دُحوراً ، قال تعالى : « دُحُورا وَلَهُمْ عَذَابٌ وَاصِبٌ » 1 ، وقال سبحانه : « اخرُجْ مِنهَا مَذْءُوما مَدْحورا » 2 ، أي مقصىً . ومزاجره : الأُمور يزجر بها ؛ جمع مَزْجر : ومَزْجرة ، وكثيراً ما يبني عليه السلام من الأفعال « مَفْعلاً » و
« مَفْعَلة » ويجمعه ؛ وإذا تأمّلت كلامه عرفت ذلك . وحبائل الشيطان : مكائده وأشراكه التي يُضِلّ بها البشر . ومخاتله : الأُمور التي يخْتل بها ، بالكسر ، أي يخدع . لا يُؤازى فضله : لا يساوَى ، واللفظة مهموزة ، آزيت فلاناً : حاذيته ، ولا يجوز « وازيته » . ولا يجبر فقدُه : لا يسدّ أحدٌ مسدّه بعده . والجفوة الجافية : غِلَظ الطّبع وبلادة الفهم . ويستذِلّون الحكيم : يستضيمون العقلاء ، واللام هاهنا للجنس . يحيوْن على فَتْرة : على انقطاع الوحي ما بين نبوّتين . ويموتون على كَفْرة ، بالفتح ، واحد الكَفَرات ، كالضربة واحدة الضّربات .
ويروى : « ثم إنّكم معشر الناس » . والأغراض : الأهداف . وسكرات النعمة : ما تحدثه النّعم عند أربابها من الغَفْلة المشابهة للسُّكر . ومن كلام الحكماء : للوالي سَكْرة لا يُفيق منها إلاّ بالعزْل . والبوائق : الدّواهي ، جمع بائقة ؛ يقال : باقَتْهُم الدّاهية بَوْقا ، أي أصابَتْهم ، وكذلك : باقتهم بؤوق على « فَعول » ، وابتاقت عليهم بائقة شرّ ، مثل انباحت ، أي انفتقت ، وانباقَ عليهم الدّهر : هجم بالداهية ، كما يخرُج الصوت من البُوق ، وفي الحديث : « لا يدخل الجَنّة من لا يأمن جارُه بوائقَه » ، أي غوائله وشرّه . والقَتَام ، بفتح القاف : الغبار . والأقتم : الذي يعلوه قَتَمة ؛ وهو لون فيه غبرة وحُمْرة . والعِشْوة ، بكسر العين : ركوب الأمر على غير بيان ووضوح . ويروى : « وتبيّنوا في قَتَام العِشْوة » كما قرئ : « إنْ جَاءَكَمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ

1.سورة الصافّات ۹ .

2.سورة الأعراف ۱۸ .

  • نام منبع :
    تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1
    تعداد جلد :
    2
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1384
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 183326
صفحه از 712
پرینت  ارسال به