وثاني عشرها : أ نّه الظاهر لا برؤية ، والباطن لا بلطافة ، والبارئ تعالى ظاهر للبصائر لا للأبصار . باطن ، أي غير مدرك بالحواسّ ؛ لأنّ ذاته لا تقبل المدركيّة إلاّ من حيث كان لطيف الحجم أو شفّاف الجرْم .
وثالث عشرها : أ نّه قال : بان من الأشياء بالقهر لها ، والقدرة عليها ، وبانت الأشياء منه بالخضوع له ، والرجوع إليه ؛ هذا هو معنى قول المتكلّمين والحكماء ، والفرق بينه وبين الموجودات كلّها أنه واجب الوجود لذاته ، والأشياء كلّها ممكنة الوجود بذواتها ، فكلّها محتاجة إليه ؛ لأنها لا وجود لها إلاّ به ، وهذا هو معنى خضوعها له ، ورجوعها إليه . وهو
سبحانه غنيّ عن كلّ شيء ، ومؤثّر في كلِّ شيء .
ورابع عشرها : أ نّه لا صفة له زائدة على ذاته ؛ ونعني بالصفة ذاتا موجودة قائمة بذاته ؛ وذلك لأنّ مَنْ أثبت هذه الصفة له فقد حدّه ، ومن حَدّه فقد عدّه ، ومن عَدّه فقد أبطل أزَله ، وهذا كلام غامض ، وتفسيره : أن مَنْ أثبت له علما قديما أو قدرة قديمةً ، فقد أوجب أن يعلم بذلك العلم معلوماتٍ محدودة ، أي محصورة ، وكذلك قد أوجب أن يقدر بتلك القدرة على مقدورات محدُودة ؛ وهذه المقدّمة في كُتُب أصحابنا المتكلّمين مما يذكرونه في تقرير أنّ العِلْمَ الواحد لا يتعلّق بمعلومينْ ، وأنّ القدرة الواحدة لا يمكن أنْ تتعلّق في الوقت الواحد من الجنس الواحد في المحلّ الواحد إلاّ بجزء واحد ؛ وسواء فرض هذان المعنيان قديمين أو محدَثين ، فإنّ هذا الحكم لازم لهما ، فقد ثبت أنّ مَنْ أثبت المعاني القديمة فقد أثبت البارئ تعالى محدود العالمية والقادريّة ، ومن قال بذلك فقد عدّه ، أي جعله من جملة الجثة المعدودة فيما بيننا كسائر البشر والحيوانات ، ومَنْ قال بذلك ، فقد أبطل أزله ؛ لأنّ كلّ ذات مماثلة لهذه الذوات المحدَثة ؛ فإنها محدَثة مثلها ، والمحدَث لا يكون أزلياً .
وخامس عشرها : أنّ من قال : « كيف » ؟ فقد استوصَفه ، أي مَنْ قال لزيد : كيف اللّه ؟ فقد استدعى أن يوصف اللّه بكيفيّة من الكيفيات ، والبارئ تعالى لا تجوز الكيفيّات عليه ، والكيفيّات هي الألوان والطعوم ونحوها ، والأشكال والمعاني وما يجري مَجْرَى ذلك ؛ وكلّ هذا لا يجوز إلاّ على الأجسام .
وسادس عشرها : أنّ من قال : « أين » ؟ فقد حيّزه ؛ لأنّ « أين » سؤال عن المكان ، وليس اللّه تعالى في مكان ، ويأتي أ نّه في كلّ مكان بمعنى العلم والإحاطة .
وسابع عشرها : أ نّه عالم إذ لا معلوم ، وربّ إذ لا مربوب ، وقادر إذ لا مقدور ، وكلّ هذا