505
تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1

وثاني عشرها : أ نّه الظاهر لا برؤية ، والباطن لا بلطافة ، والبارئ تعالى ظاهر للبصائر لا للأبصار . باطن ، أي غير مدرك بالحواسّ ؛ لأنّ ذاته لا تقبل المدركيّة إلاّ من حيث كان لطيف الحجم أو شفّاف الجرْم .
وثالث عشرها : أ نّه قال : بان من الأشياء بالقهر لها ، والقدرة عليها ، وبانت الأشياء منه بالخضوع له ، والرجوع إليه ؛ هذا هو معنى قول المتكلّمين والحكماء ، والفرق بينه وبين الموجودات كلّها أنه واجب الوجود لذاته ، والأشياء كلّها ممكنة الوجود بذواتها ، فكلّها محتاجة إليه ؛ لأنها لا وجود لها إلاّ به ، وهذا هو معنى خضوعها له ، ورجوعها إليه . وهو
سبحانه غنيّ عن كلّ شيء ، ومؤثّر في كلِّ شيء .
ورابع عشرها : أ نّه لا صفة له زائدة على ذاته ؛ ونعني بالصفة ذاتا موجودة قائمة بذاته ؛ وذلك لأنّ مَنْ أثبت هذه الصفة له فقد حدّه ، ومن حَدّه فقد عدّه ، ومن عَدّه فقد أبطل أزَله ، وهذا كلام غامض ، وتفسيره : أن مَنْ أثبت له علما قديما أو قدرة قديمةً ، فقد أوجب أن يعلم بذلك العلم معلوماتٍ محدودة ، أي محصورة ، وكذلك قد أوجب أن يقدر بتلك القدرة على مقدورات محدُودة ؛ وهذه المقدّمة في كُتُب أصحابنا المتكلّمين مما يذكرونه في تقرير أنّ العِلْمَ الواحد لا يتعلّق بمعلومينْ ، وأنّ القدرة الواحدة لا يمكن أنْ تتعلّق في الوقت الواحد من الجنس الواحد في المحلّ الواحد إلاّ بجزء واحد ؛ وسواء فرض هذان المعنيان قديمين أو محدَثين ، فإنّ هذا الحكم لازم لهما ، فقد ثبت أنّ مَنْ أثبت المعاني القديمة فقد أثبت البارئ تعالى محدود العالمية والقادريّة ، ومن قال بذلك فقد عدّه ، أي جعله من جملة الجثة المعدودة فيما بيننا كسائر البشر والحيوانات ، ومَنْ قال بذلك ، فقد أبطل أزله ؛ لأنّ كلّ ذات مماثلة لهذه الذوات المحدَثة ؛ فإنها محدَثة مثلها ، والمحدَث لا يكون أزلياً .
وخامس عشرها : أنّ من قال : « كيف » ؟ فقد استوصَفه ، أي مَنْ قال لزيد : كيف اللّه ؟ فقد استدعى أن يوصف اللّه بكيفيّة من الكيفيات ، والبارئ تعالى لا تجوز الكيفيّات عليه ، والكيفيّات هي الألوان والطعوم ونحوها ، والأشكال والمعاني وما يجري مَجْرَى ذلك ؛ وكلّ هذا لا يجوز إلاّ على الأجسام .
وسادس عشرها : أنّ من قال : « أين » ؟ فقد حيّزه ؛ لأنّ « أين » سؤال عن المكان ، وليس اللّه تعالى في مكان ، ويأتي أ نّه في كلّ مكان بمعنى العلم والإحاطة .
وسابع عشرها : أ نّه عالم إذ لا معلوم ، وربّ إذ لا مربوب ، وقادر إذ لا مقدور ، وكلّ هذا


تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1
504

واحد منها ما صحّ على الآخر ، فلو كان [ له ] سبحانه شبيهٌ منها ـ أي لو كان جسما مثلها ـ لوجب أن يكون محدَثاً كمثلها ، أو تكون قديمة مثله ؛ وكلاَ الأمرين محال .
ورابعها : أن المشاعر لا تستلمه ، وروي « لا تلمسه » ؛ والمشاعر : الحواسّ ، وبيانه أنه تعالى ليس بجسم لما سبق ، وما ليس بجسم استحال أن تكون المشاعر لامسةً له ؛ لأنّ إدراك المشاعر مدرَكاتِه مقصور على الأجسام وهيئاتها . والاستلام في اللغة : لمس الحجر باليد وتقبيله .
وخامسها : أنّ السواتر لا تحجبه ؛ وبيانه أنّ السواتر والحجب ؛ إنّما تحجب ما كان في
جهة ؛ وذلك لأنها ذوات أينٍ ووضْع فلا نسبة لها ، إلى ما ليس من ذوات الأين والوضع .
ثم قال عليه السلام : « لافتراق الصانع والمصنوع » ، إشارة إلى أنّ المصنوع من ذوات الجهة والصانع منزّه عن ذلك ، بريء عن الموادّ ، فلا يلزم فيه ما يلزم في ذوات المادة والجهة .
وسادسها : معنى قولنا : إنه أحد ، أ نّه ليس بمعنى العدد كما يقول الناس : أوّل العدد أحد وواحد ، بل المراد بأحديّته كونه لا يقبل التجزّؤ ؛ وباعتبار آخر كونه لا ثانيَ له في الربوبية .
وسابعها : أ نّه خالق ، لا بمعنى الحركة والنَّصَب ، وهو التعب ؛ والبارئ سبحانه ليس بجسم ، ولا يفعل بالآلة ، بل كونه قادرا إنّما هو لذاته المقدّسة ، لا لأمرٍ زائد عليها ، فلم يكن فاعلاً بالحركة .
وثامنها : أ نّه سميع ، لا بأداة ؛ والبارئ تعالى حيّ لذاته ؛ فلم يحتجْ في كونه مدركاً إلى الأداة والجارحة .
وتاسعها : أنه بصير لا بتفريق آلة ، والمراد بتفريق الآلة هاهنا الشعاع الذي باعتباره يكون الواحد منّا مبصراً ، والبارئ تعالى بصير لا بشعاع يجعله آلة في الإدراك ، ويتفرّق على المرئيات فيدركها بها .
وعاشرها : أ نّه الشاهد لا بمماسّة ؛ وذلك لأنّ الشاهد منّا هو الحاضر بجسمه عند المشهود ؛ والقرب من لوازم الجسمية ، فما ليس بجسم ـ وهو عالم بكلّ شيء ـ يكون شاهداً من غير قرب ولا مماسّة .
وحادي عشرها : أ نّه البائن لا بتراخي مسافة بينونة المفارق عن المادّة ، بينونة ليست أينيّة ؛ لأ نّه لا نسبةَ لأحدهما إلى الآخر بالجهة ؛ فلا جرَم كان البارئ تعالى مباينا عن العالم ، لا بمسافة بين الذاتين .

  • نام منبع :
    تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1
    تعداد جلد :
    2
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1384
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 183484
صفحه از 712
پرینت  ارسال به