513
تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1

فَإِنَّ الْمِثْلَ دَلِيلٌ عَلَى شِبْهِهِ .
إِنَّ الْبَهَائِمَ هَمُّهَا بُطُونُهَا ؛ وَإِنَّ السِّبَاعَ هَمُّهَا الْعُدْوَانُ عَلَى غَيْرِهَا؛ وَإِنَّ النِّسَاءَ هَمُّهُنَّ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْفَسَادُ فِيهَا . إِنَّ الْمُؤمِنِينَ مُسْتَكِينُونَ . إِنَّ الْمُؤمِنينَ مُشْفِقُونَ . إِنَّ الْمُؤمِنينَ خَائِفُونَ .

الشّرْحُ :

عزائم اللّه ، هي موجباته والأمر المقطوع عليه ، الذي لا ريبَ فيه ولا شبهة ، قال عليه السلام : إنّ من الأُمور التي نصّ اللّه تعالى عليها نصّا لا يحتمل التأويل ـ وهي من العزائم التي يقطع بها ، ولا رجوع فيها ولا نسخ لها ـ أنّ مَنْ مات وهو على ذنْبٍ من هذه الذنوب المذكورة ـ ولو اكتفى بذلك عليه السلام لأغناه عن قوله : « ولم يتب » إلاّ أنه ذكر ذلك تأكيدا وزيادة في الإيضاح ـ فإنّه لا ينفعه فعل شيءٍ من الأفعال الحسنة ولا الواجبة ؛ ولا تفيدُه العبادة ؛ ولو أجهد نفسه فيها ، بل يكون من أهل النار . والذنوب المذكورة هي أنْ يتّخذ مع اللّه إلها آخر فيشرِكه في العبادة ، أو يقتل إنسانا بغير حقّ ، بل ليشفى غيظه ، أو يقذف غيره بأمرٍ قد فعله هو .
عرّه بكذا يعُرّه عَرّا ، أي عابه ولطّخه ، أو يروم بلوغ حاجةٍ من أحدٍ بإظهار بدعة في الدين ، كما يفعل أكثرُ النّاس في زماننا ، أو يكون ذا وَجْهين ؛ وهو أيضا قوله : « أو يمشي فيهم بلسانين » ؛ وإنما أعاده تأكيداً .
ثم أمرَ عليه السلام بأن يُعقَل ما قاله ، ويُعلَم باطن خطابه ؛ وإنما رَمَز بباطن هذا الكلام إلى الرؤساء يوم الجمل ؛ لأنهم حاولوا أن يشفوا غيظهم بإهلاكه وإهلاك غيره من المسلمين ، وعَرُّوه ۱ عليه السلام بأمرٍ هم فعلوه ، وهو التأليب على عثمان وحصْرُه ، واستنجحوا حاجتهم إلى أهلِ البصرة بإظهار البدعة والفتنة ، ولقُوا الناس بوجهين ولسانين ؛ لأنهم بايعوه وأظهروا الرضا به ، ثم دَبّوا له الخَمرَ ۲ ، فجعل ذنوبهم هذه مماثلة للشِّرك باللّه سبحانه ؛ في أنها لا تُغْفَر إلاّ بالتوبة ، وهذا هو معنى قوله : « اعقل ذلك » فإنّ المِثْل دَليل على شبهه . وَرُوي « فإنّ

1.عروه : سبوه .

2.أخمر القوم ؛ إذا تواروا بالخمر ؛ ويقال للرجل إذا ختل صاحبه : هو يدب له الضراء ويمشي له الخمر .


تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1
512

يقوله ، أو يأمرُ به ، فإنّ الرفق أنجح ، وأن يحرّف المنطق فإن الكذب لا يثمر خيراً ، وأن
يتخوف من الصدق في ذات اللّه ، قال سبحانه : « إذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللّهِ»۱ ، فذمّ من لا يصدق ويجاهد في الحقّ .
قوله : « واختصِرْ من عجلتك » ، أي لا تكن عَجَلتك كثيرة ، بل إذا كانت لك عجلة فلتكن شيئا يسيراً . وتقول : أنعمت النظر في كذا ، أي دقَّقتُه ، من قولك : أنعمت سَحْق الحجر ، وقيل : إنه مقلوب « أمعن » . والنبي الأُمّيّ : إمّا الذي لا يحسن الكتابة ، أو المنسوب إلى أُمّ القرى ؛ وهي مكّة . ولا محيص عنه : لا مفرّ ولا مهرب ، حاص ؛ أي تخلّص من أمر كان شب فيه .
قوله : « فإن عليه ممرّك » أي ليس القبر بدار مقام ، وإنما هو مَمَرٌّ وطريق إلى الآخرة . وكما تدين تدان ، أي كما تجازِي غيرَك تجازَى بفعلك وبحسب ما عملت ؛ ومنه قوله سبحانه : « إنَّا لَمَدِينُونَ »۲ ، أي مجزيُّون ؛ ومنه الديّان في صفة اللّه تعالى . قوله : « وكما تزرع تحصد » معنى قد قاله النّاس بعده كثيراً . فامهد لنفسك : أي سوّ ووَطِّئْ .
« وَلاَ يُنَبِّئُك مِثْلُ خَبِيرٍ »۳ من القرآن العزيز ، أي ولا يخبرك بالأُمور أحد على حقائقها كالعارف بها العالم بكنْهها .

الأصْلُ :

۰.إِنَّ مِنْ عَزَائِمِ اللّهِ فِي الذِّكْرِ الْحَكِيمِ ، الَّتِي عَلَيْهَا يُثِيبُ وَيُعَاقِبُ وَلَهَا يَرْضَى وَيَسْخَطُ ، أَنَّهُ لاَ يَنْفَعُ عَبْداً ـ وَإِنْ أَجْهَدَ نَفْسَهُ ، وَأَخْلَصَ فِعْلَهُ ـ أَنْ يَخْرُجَ مِنَ الدُّنْيَا ، لاَقِياً رَبَّهُ بِخَصْلَةٍ مِنْ هذِهِ الْخِصَال لَمْ يَتُبْ مِنْهَا : أَنْ يُشْرِكَ بِاللّه فِيَما افْتَرَضَ عَلَيْهِ مِنْ عِبَادَتِهِ ، أَوْ يَشْفِيَ غَيْظَهُ بِهَلاَك نَفْسٍ ، أَوْ يَعُرَّ بِأَمْرٍ فَعَلَهُ غَيْرُهُ ، أَوْ يَسْتَنْجِحَ حَاجَةً إِلَى النَّاس بِإِظْهَارِ بِدْعَةٍ فِي دِينِهِ ، أَوْ يَلْقَى النَّاسَ بِوَجْهَيْنِ ، أَوْ يَمْشِيَ فِيهِمْ بِلِسَانَيْنِ .اعْقِلْ ذلِكَ

1.سورة النساء ۷۷ .

2.سورة الصافات ۵۳ .

3.سورة فاطر ۱۴ .

  • نام منبع :
    تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1
    تعداد جلد :
    2
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1384
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 182849
صفحه از 712
پرینت  ارسال به