523
تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1

فتنشقّ ولا كثيفة فتثقلها عن الطيران . ثم من ولدها إذا طارت احتملته وهو لاصق بها ، فإذا وقعت وقع ملتصقاً بها هكذا ، إلى أن يشتدّ ويقوى على النهوض فيفارقها .

156

الأصْلُ :

۰.ومن كلام له عليه السلام خاطب به أهل البصرة على جهة اقتصاص الملاحمفَمَنِ اسْتَطَاعَ عِنْدَ ذلِكَ أَنْ يَعْتَقِلَ نَفْسَهُ عَلَى اللّهِ ، فَلْيَفْعَلْ . فَإِنْ أَطَعْتُمُوني فَإِني حَامِلُكُمْ إِنْ شَاءَ اللّهُ عَلَى سَبِيلِ الْجَنَّةِ ، وَإِنْ كَانَ ذَا مَشَقَّةٍ شَدِيدَةٍ وَمَذَاقَةٍ مَرِيرَةٍ . وَأَمَّا فُـلاَنَةُ فَأَدْرَكَهَا رَأيُ النِّسَاءِ ، وَضِغْنٌ غَـلاَ فِي صَدْرِهَا كَمِرْجَلِ الْقَيْنِ ، وَلَوْ دُعِيَتْ لِتَنَالَ مِنْ غَيْرِي مَا أَتَتْ إِلَيَّ ، لَمْ تَفْعَلْ . وَلَهَا بَعْدُ حُرْمَتُهَا الأُولى ، وَالْحِسَابُ عَلَى اللّهِ .

الشّرْحُ :

يعتقل نفسه على اللّه : يحبسها على طاعته . ثم ذكر أنّ السبيل التي حملهم عليها وهي سبيل الرشاد ؛ ذات مشقّة شديدة ومذاقة مريرة ؛ لأنّ الباطل محبوب النفوس ، فإنه اللهو واللّذة ، وسقوط التكليف ؛ وأما الحقّ فمكروه النفس ؛ لأنّ التكليف صعب وترك الملاذّ العاجلة ، شاقّ شديد المشقَّة . والضِّغن : الحقد . والمِرْجل : قِدْر كبيرة . والقيْن : الحداد ، أي كَغَليان قِدْر من حديد .
وفلانة كناية عن أُمّ المؤمنين عائشة ، أبوها أبو بكر ، وأُمّها أُم رُومان ابنة عامر تزوّجها رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم قبل الهجرة بسنتين ، وبنى عليها بالمدينة . وتوفيت في سنة سبع وخمسين للهجرة ، وعمرها أربع وستون سنة ، ودفنت بالبَقيع . فأمّا قوله : « فأدركها رأيُ النساء » ، أي ضعف آرائهنّ . وقد جاء في الخبر : « لا يفلح قوم أسندوا أمرَهم إلى امرأة » .


تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1
522

شَظَايَا الآذَانِ غَيْرَ ذَوَاتِ رِيش وَلاَ قَصَبٍ ، إِلاَّ أ نّكَ تَرَى مَوَاضِعَ الْعُرُوقِ بَيِّنَةً أَعْلاَماً . لَهَا جَنَاحَانِ لَمْ يَرِقَّا فَيْنْشَقَّا ، وَلَمْ يَغْلُظَا فَيَثْقُـلاَ . تَطِيرُ وَوَلَدُهَا لاَصِقٌ بِهَا لاَجِيءٌ إِلَيْهَا ، يَقَعُ إِذَا وَقَعَتْ ، وَيَرْتَفِعُ إِذَا ارْتَفَعَتْ ، لاَ يُفَارِقُهَا حَتَّى تَشْتَدَّ أَرْكَانُهُ ، وَيَحْمِلَهُ لِلنُّهُوضِ جَنَاحُهُ ، وَيَعْرِفَ مَذَاهِبَ عَيْشِهِ ، وَمَصَالِحَ نَفسِْهِ .
فَسُبْحَانَ الْبَارِئ لِكُلِّ شَيْءٍ ، عَلَى غَيْرِ مِثالٍ خَلاَ مِنْ غَيْرِهِ!

الشّرْحُ :

الخفّاش ، واحد جمعه خَفَافيش ، وهو هذا الطائر الذي يطير ليلاً ولا يطير نهاراً ، وهو مأخوذ من الخَفَش ؛ وهو ضعف في البصر خِلْقة ، والرجل أخفش ، وقد يكون علّة وهو الذي يبصر بالليل لا بالنهار ، أو في يوم غيم لا في يوم صَحْو . وانحسرت الأوصاف : كلّت وأعيت . وردعت : كَفّت . والمساغ : المسلك .
قال : « أحقّ وأبيَن مما ترى العيون » ؛ وذلك لأنّ العلوم العقلية إذا كانت ضرورية أو قريبة من الضروريَّة ، كانت أوثق من المحسوسات ؛ لأنّ الحسّ يغلط دائما ، فيرى الكبير صغيرا كالبعيد ، والصغير كبيراً . والقضايا العقلية الموثوق بها ؛ لأنها بديهيّة أو تكاد ، فالغلط غير داخل عليها . قوله : « يقبضها الضياء » ، أي يقبض أعينها .
قوله : « وتّتصل بعلانية برهان الشمس » كلام جيّد في مذاهب الاستعارة . وسُبُحات إشراقها : جلاله وبهاؤه . وأكنّها : ستَرها ، وبُلَج ائتلافها : جمع بُلْجة ؛ وهي أول الصبح ، وجاء بَلْجة أيضا بالفتح . والحِدَاق : جمع حَدَقة العين . والأسداف : مصدر أسدف الليل ، أظلم . وغسق الدّجُنّة : ظلام الليل . فإذا ألقت الشمس قناعها ، أي سفرت عن وجهها وأشرقت . والأوضاح : جمع وَضَح ، وقد يراد به حليٌّ يعمل من الدراهم الصّحاح ، وقد يراد به الدراهم الصِّحاح نفسها وإن لم يكن حُليّا . والضِّباب ، جمع ضَبّ . ووِجارها : بيتها . وشظايا الآذان : أقطاع منها . والقصب هاهنا : الغُضروف .
وخلاصة الخُطْبة ، التعجّب من أعين الخفافيش التي تبصر ليلاً ولا تبصر نهارا ، وكلّ الحيوانات بخلاف ذلك ، فقد صار الليل لها معاشا ، والنهار لها سكناً ؛ بعكس الحال فيما عداها . ثم من أجنحتها التي تطير بها وهي لحم لا ريش عليه ولا غضروف ؛ وليست رقيقة

  • نام منبع :
    تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1
    تعداد جلد :
    2
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1384
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 152524
صفحه از 712
پرینت  ارسال به