53
تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1

« معجَبين » ثم قال : و « متعجبين » ، فـ « معجَبين » من قولك : أُعجِب فلان برأيه ، وبنفسه فهو معجَب بهما ، والاسم : العُجْب بالضم ؛ ولايكون ذلك إلاّ في المستحسَن ، و « متعجبين » من قولك : تعجبت من كذا ، والاسم : العَجَب . وقد يكون في الشيء يُستحسن ويُستقبح ويُتَهوّل منه ويستغرب ؛ ومراده هنا التهوُّل والاستغراب ؛ وفي بعض الروايات : « معجِبين ببدائعه » ، أي أنّهم يعجِبون غيرهم . والنواصع : الخالصة . وثواقب الكلم : مضيئاتها ؛ ومنه الشهاب الثاقب . وحذا كلّ قائل : اقتفى واتّبع . وقوله : « مَسْحة » يقولون : على فلان مَسحة من جمال ؛ مثل قولك : شيء ، وكأنه هاهنا يريد ضوءا وصِقالا . وقوله : « عبقة » ، أي رائحة ، ولو قال عِوض « العلم الإلهي » « الكتاب الإلهي » لكان أحسن .

قال الرضيّ رحمه الله :

( فأجبتُهم إلى الابتداء بذلك ، عالماً بما فيه من عظيم النفع ، ومنشور الذكر ، ومذخور الأجر . واعتمدت به أن أُبيّن من عظيم قَدْر أمير المؤمنين عليه السلام في هذه الفضيلة ، مضافة إلى المحاسن الدّثِرة ، والفضائل الجمّة ، وأنّه انفرد ببلوغ غايتها عن جميع السلف الأولين ، الذين إنّما يُؤثَر عنهم منها القليل النادر ، والشاذّ الشارد ؛ فأمّا كلامُه عليه السلام فهو البحر الذي لا يُساجَل ، والجمّ الذي لا يحافَل ، وأردت أن يسوغَ لي التمثُّل في الافتخار به صلوات اللّه عليه بقول الفرزدق :

أُولئِك آبائي فجئني بمثْلِهِمْإذَا جَمَعَتْنَا يَا جَريرُ الَْمجَامِعُ )

الشرح :

المحاسن الدثرة : الكثيرة ، مال دَثِر ، أي كثير ، والجمّة ؛ مثله . ويؤثر عنهم ، أي يحكى وينقل ، قلته آثرا ، أي حاكيا . ولا يساجَل ، أي لا يكاثَر ، أصلُه من النزع بالسّجل ، وهو الدّلو المليء .
ويُروى : « يُساحل » ، بالحاء ، من ساحل البحر وهو طرَفه ، أي لا يشابه في بُعْد ساحِله . لا يحافل ، أي لا يفاخَر بالكثرة ، أصلُه من الحفْل ، وهو الامتلاء . والمحافلة : المفاخرة بالامتلاء ، ضرع حافل ، أي ممتلئ .


تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1
52

أنه اسم للدينار خاصة ؛ فقوله : « مثاقيل الفضل » ، أي زنات الفضل ، وهذا من باب الاستعارة . وقوله : « تكون إزاءً لفضلهم » ، أي مقابلة له . ومكافأة ، بالهمز ، من كافأته أي جازيته ، وكِفاء ، بالهمز والمد ، أي نظيرا . وخَوى النجم ، أي سقط . وطينة المجد ؛ أصله . وسلالة الكرم ؛ فرعه . والوسيل : جمع وسيلة وهو ما يُتقرب به ، ولو قال : « وسَبيلا إلى جِنانه » لكان حسنا وإنّما قصد الإغراب .

قال الرضيّ رحمه الله :

( فإنّي كنتُ في عُنْفوان السنّ ، وغضاضة الغُصْن ، ابتدأت تأليف كتاب في خصائص الأئمة : ، يشتمِل على محاسن أخبارهم ، وجواهر كلامهم ، حَدَاني عليه غرضٌ ذكرتُه في صَدْر الكتاب ، وجعلتُه أمام الكلام . وفرغت من الخصائص التي تَخُصّ أميرَ المؤمنين عليّاً، صلوات اللّه عليه ، وعاقت عن إتمام بقيَّة الكتاب مُحاجزاتُ الأيام ، ومماطلات الزمان . وكنت قد بوّبت ما خرج من ذلك أبوابا ، وفصّلته فصولاً ، فجاء في آخرها فصلٌ يتضمّن محاسنَ ما نُقل عنه عليه السلام ؛ من الكلام القصير في المواعظ والحِكَمِ والأمثال والآداب ؛ دون الخُطَب الطويلة ، والكُتبِ المبسوطة ؛ فاستحسنَ جماعةٌ من الأصدقاء ما اشتمل عليه الفصلُ المقدّم ذكره ، معجَبين ببدائعه ، ومتعجِّبين من نواصعه ؛ وسألوني عِنْدَ ذلك أنْ أبدأ بتأليف كتاب يحتوي على مُخْتَارِ كلامِ أمير المؤمنين عليه السلام في جميعِ فنونه ، ومتشعِّبات غصونه ، من خُطَبٍ وكتب ومواعظَ وأدب ؛ علما أنّ ذلك يتضمّن من عجائب البلاغة ، وغرائب الفصاحة ، وجواهر العربية ، وثواقب الكَلِم الدينية والدنياويّة ؛ ما لا يوجدُ مجتمعا في كلام ، ولا مجموعَ الأطرافِ في كتاب ؛ إذْ كان أميرُ المؤمنين عليه السلام مَشْرَع الفصاحة وموردَها ، ومنشأ البلاغة ومولدَها ؛ ومنه عليه السلام ظهر مكنونُها ، وعنه أُخذَتْ قوانينها ، وعلى أمثلته حذا كلّ قائل خطيب ، وبكلامه استعان كلّ واعظ بليغ ؛ ومع ذلك فقد سَبَق وقصّروا ، وقد تَقَدّم وتأخّروا ؛ لأنّ كلامَه عليه السلام الكلامُ الذي عليه مَسْحةٌ من العلم الإلهي ، وفيه عَبْقة من الكلام النبويّ ) .

الشرح :

عنفوان السنّ : أولها . ومحاجزات الأيام : ممانعاتها . ومماطلات الزمان : مدافعاته . وقوله :

  • نام منبع :
    تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1
    تعداد جلد :
    2
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1384
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 183486
صفحه از 712
پرینت  ارسال به