547
تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1

لأجل بيانه لها . والكبوة : مصدر كبا الجواد ، إذا عثر فوقع إلى الأرض . والمآب : المرجع . والعذاب الوبيل : ذو الوبال وهو الهلاك . والإنابة : الرجوع . والسبيل : الطريق ، يذكر ويؤنث . والقاصدة : ضدّ الجائرة .
فإن قلت لم عدَّى القاصدة بـ « إلى »؟
قلت : لأنها لمّا كانت قاصدة ، تضمّنت معنى الإفضاء إلى المقصد ، فعدّاها بـ « إلى » باعتبار المعنى .

الأصْلُ :

۰.أُوصِيكُمْ عِبَادَ اللّهِ ، بِتَقْوَى اللّهِ وَطَاعَتِهِ ، فَإِنَّهَا النَّجَاةُ غَداً ، وَالْمَنْجَاةُ أَبَداً . رَهَّبَ فَأَبْلَغَ ، وَرَغَّبَ فَأَسْبَغَ ؛ وَوَصَفَ لَكُمُ الدُّنْيَا وَانْقِطَاعَهَا ، وَزَوَالَهَا وَانْتِقَالَهَا .فَأَعْرِضُوا عَمَّا يُعْجِبُكُمْ فِيهَا لِقِلَّةِ مَا يَصْحَبُكُمْ مِنْهَا . أَقْرَبُ دَارٍ مِنْ سَخَطِ اللّهِ ، وَأَبْعَدُهَا مِنْ رِضْوَانِ اللّهِ .
فَغُضُّوا عَنْكُمْ ـ عِبَادَ اللّهِ ـ غُمُومَهَا وَأَشْغَالَهَا ، لِمَا قَدْ أَيْقَنْتُمْ بِهِ مِنْ فِرَاقِهَا وَتَصَرُّفِ حَالاَتِهَا . فَاحْذَرُوهَا حَذَرَ الشَّفِيقِ النَّاصِحِ ، وَالمُجِدِّ الْكَادِحِ . وَاعْتَبِرُوا بِمَا قَدْ رَأَيْتُمْ مِنْ مَصَارِعِ الْقُرُونِ قَبْلَكُمْ : قَدْ تَزَايَلَتْ أَوْصَالُهُمْ ، وَزَالَتْ أَبْصَارُهُمْ وَأَسْمَاعُهُمْ ، وَذَهَبَ شَرَفُهُمْ وَعِزُّهُمْ ، وَانْقَطَعَ سُرُورُهُمْ وَنَعِيمُهُمْ؛ فَبُدِّلُوا بِقُرْبِ الْأَوْلاَدِ فَقْدَهَا ، وَبِصُحْبَةِ الاْزَوَاجِ مُفَارَقَتَهَا . لاَ يَتَفَاخَرُونَ ، وَلاَ يَتَنَاسَلُونَ ، وَلاَ يَتَزَاوَرُونَ ، وَلاَ يَتَحَاوَرُونَ .
فَاحْذَرُوا ـ عِبَادَ اللّهِ ـ حَذَرَ الْغَالِبِ لِنَفْسِهِ ، الْمَانِعِ لِشَهْوَتِهِ ، النَّاظِرِ بِعَقْلِهِ ؛ فَإِنَّ الْأَمْرَ وَاضِحٌ ، وَالْعَلَمَ قَائِمٌ ، وَالطَّرِيقَ جَدَدٌ ، وَالسَّبِيلَ قَصْدٌ .

الشّرْحُ :

المنجاة : مصدرنجا ينجُو نجاةً ومنجاة . والنَّجاة : النّاقة يُنْجَى عليها ؛ فاستعارها هاهنا للطاعة والتّقوى ، كأنّها كالمطيّة المركوبة يخلص بها الإنسان من الهَلكة . قوله : « رهّب


تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1
546

لعليٍّ عليه السلام : يا أميرَ المؤمنين ، لم ترقّعُ قميصَك ؟ قال : ليخشعَ القلبُ ، ويقتديَ بي المؤمنون .

162

الأصْلُ :

۰.ومن خطبة له عليه السلامابْتَعَثَهُ بِالنُّورِ الْمُضِيءِ ، وَالْبُرْهَانِ الْجَلِيِّ ، وَالْمِنْهَاجِ الْبَادِي وَالْكِتَابِ الْهَادِي . أُسْرَتُهُ خَيْرُ أُسْرَةٍ ، وَشَجَرَتُهُ خَيْرُ شَجَرَةٍ؛ أَغصَانُهَا مُعْتَدِلَةٌ ، وَثِمَارُهَا مُتَهَدِّلَةٌ . مَوْلِدُهُ بِمَكَّةَ ، وَهِجْرَتُهُ بِطَيْبَةَ عَلاَ بِهَا ذِكْرُهُ وَامْتَدَّ مِنْهَا صَوْتُهُ . أَرْسَلَهُ بِحُجَّةٍ كَافِيَةٍ ، وَمَوْعِظَةٍ شَافِيَةٍ ، وَدَعْوَةٍ مُتَـلاَفِيَةٍ . أَظْهَرَ بِهِ الشَّرائِعَ المجْهُولَةَ ، وَقَمَعَ بِهِ الْبِدَعَ الْمَدْخُولَةَ ، وَبَيَّنَ بِهِ الأَحْكَامَ الْمَفْصُولَةَ . فَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الاْءِسْلاَمِ دِيناً تَتَحَقَّقْ شِقْوَتُهُ ، وَتَنْفَصِمْ عُرْوَتُهُ ، وَتَعْظُمْ كَبْوَتُهُ ، وَيَكُنْ مَآبُهُ إِلَى الْحُزْنِ الطَّوِيلِ وَالْعَذَابِ الْوَبِيلِ . وَأَتَوْكَّلُ عَلَى اللّهِ تَوَكُّلَ الاْءِنَابَةِ إِلَيْهِ . وَأَسْتَرْشِدُهُ السَّبِيلَ الُمؤدِّيَةَ إِلَى جَنَّتِهِ ، الْقَاصِدَةَ إِلَى مَحَلِّ رَغْبَتِهِ .

الشّرْحُ :

بالنور المضيء ، أي بالدِّين ، أو بالقرآن . وأسرتُه : أهله . أغصانها معتدلة ، كناية عن عدم الاختلاف بينهم في الأُمور الدينية . وثمارها متهدّلة ، أي مدلِّية ، كناية عن سهولة اجتناء العلم منها . وطَيبة اسم المدينة ، كان اسمها يثرب ، فسمّـاها رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم طَيْبة ، ومما أكْفَر النَّاس به يزيدَ بن معاوية أ نّه سماها « خبيثة » ، مراغَمة لرسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم . علا بها ذكره ؛ لأ نّه صلى الله عليه و آله وسلم إنّما انتصر وقهر الأعداء بعد الهجرة . « ودعوة متلافية » ، أي تتلافى ما فسد في الجاهلية من أديان البشر . قوله : « وبيّن به الأحكام المفصولة » ليس يعني أنها كانت مفصولة قبل أن بيّنها ، بل المراد : بيّن به الأحكام التي هي الآن مفصولة عندنا وواضحة لنا ؛

  • نام منبع :
    تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1
    تعداد جلد :
    2
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1384
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 147365
صفحه از 712
پرینت  ارسال به