585
تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1

اسْتَحْفَظَكُمْ مِنْ كِتَابِهِ .
أَلاَ وَإِنَّهُ لاَ يَضُرُّكُمْ تَضْيِيعُ شَيْءٍ مِنْ دُنْيَاكُمْ بَعْدَ حِفْظِكُمْ قَائِمَةَ دِينِكُمْ . أَلاَ وَإِنَّهُ لاَ يَنْفَعُكُمْ بَعْدَ تَضْيِيعِ دِينِكُمْ شَيْءٌ حَافَظْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَمْرِ دُنْيَاكُمْ .
أَخَذَ اللّهُ بِقُلُوبِنَا وَقُلُوبِكُمْ إِلَى الْحَقِّ ، وَألهَمَنَا وَإِيَّاكُمُ الصَّبْرَ!

الشّرْحُ :

لم يكن المسلمون قَبْلَ حربِ الجمل يعرفون كيفيَّة قتالِ أهل القبلة ؛ وإنما تعلّموا فقه ذلك من أمير المؤمنين عليه السلام . وقال الشافعيّ : لولا عليّ لما عرِف شيء من أحكام أهل البغي .
قوله عليه السلام : « ولا يحمل هذا العلمَ إلاّ أهلُ البصر والصبر » ، وذلك لأنّ المسلمين عَظُم عندهم حربُ أهل القبلة ، وأكبروه ؛ ومَنْ أقدَم عندهم عليه أقدَم على خوف وحذر ، فقال عليه السلام : إن هذا العلم ليس يدركه كلّ أحدٍ ، وإنّما له قوم مخصوصون . ثم أمرهم بالمضيّ عندما يأمرهم به ، وبالانتهاء عمّا ينهاهم عنه ، ونهاهم عن أن يعجَلوا بالحكْم على أمر ملتبس حتى يتبيّن ويتّضح . ثم قال : إنّ عندنا تغييرا لكلّ ما تنكرونه من الأُمور حتى يثبت أنه يجب إنكارها وتغييرها ، أي لستُ كعثمان أُصرّ على ارتكاب ما أُنهى عنه ، بل أغيّر كلّ ما ينكره المسلمون ، ويقتضي الحال والشرع تغييرَه .
ثم ذكر أنّ الدنيا التي تغضب الناس وترضيهم ؛ وهي منتهى أمانيهم ورغبتهم ، ليست دراهم ، وإنما هي طريقٌ إلى الدار الآخرة ، ومدّة اللبْث في ذلك الطريق يسيرة جداً . وقال : إنها وإنْ كانت غرّارة فإنها منذرة ومحذّرة لأبنائها بما رأوْه من آثارها في سلَفهم وإخوتهم وأحبائهم ، ومناداتها على نفسها بأنها فاعلة بهم ما فعلت بأولئك من الفناء ، وفراق المألوف . قال : فدعوا غرورَها لتحذيرها ؛ وذلك لأنّ جانب تحذيرها أوْلى بأن يعمل عليه من جانب غرورها ؛ لأنّ غرورها إنما هو بأمرٍ سريع مع التصرّم والانقضاء ، وتحذيرها إنما هو لأمرٍ جليل عظيم ؛ فإن الفناء المعجّل محسوس ؛ وقد دلّ العقل والشرائع كافّة على أنّ بعد ذلك الفناء سعادة وشقاوة ، فينبغي للعاقل أن يحذَر من تلك الشقاوة ، ويرغب في تلك السعادة ، ولا سبيلَ إلى ذلك إلاّ برفض غُرور الدنيا .
والخنين : صوت يخرجُ من الأنف عند البكاء ، وأضافه إلى الأمَة ؛ لأنّ الإماء كثيراً ما


تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1
584

وثالثها : أنّ الخارج على الإمام يستعتَب أولاً بالكلام والمراسلة ، فإن أبى قُؤتل ؛ وهذا هو نصّ الكتاب العزيز : « وَإنْ طَائِفَتَانِ مِنَ المُؤمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما فَإنْ بَغَتْ إحْدَاهُماعَلَى الأُخرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ الَى أَمْرِ اللّهِ »۱
ورابعها : أنه يقاتِل أحدَ رجلين : إمّا رجلاً ادَّعى ما ليس له ، نحو أن يخرُج على الإمام مَن يدّعي الخلافة لنفسه ، وإمّا رجلاً منع ما عليه ، نحو أن يخرج على الإمام رجلٌ لا يدّعي الخلافة ، ولكنه يمتنع من الطاعة فقط .

الأصْلُ :

۰.أُوصِيكُمْ ـ عِبَادَ اللّهِ ـ بَتَقْوَى اللّهِ فَإِنَّهَا خَيْرُ مَا تَوَاصَى الْعِبَادُ بِهِ ، وَخَيْرُ عَوَاقِبِ الْأُمُورِ عِنْدَ اللّهِ . وَقَدْ فُتِحَ بَابُ الْحَرْبِ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ أَهْلِ الْقِبْلَةِ ، وَلاَيَحْمِلُ هذَا الْعَلَمَ إِلاَّ أَهْلُ الْبَصَرِ والصَّبْرِ وَالْعِلْمِ بمَوَاقِعِ الْحَقِّ ، فَامْضُوا لِمَا تُؤمَرُونَ بِهِ ، وَقِفُوا عِنْدَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ ؛ وَلاَ تَعْجَلُوا فِي أَمْرٍ حَتَّى تَتَبَيَّنُوا ، فَإِنَّ لَنَا مَعَ كُلِّ أَمْرٍ تُنْكِرُونَهُ غِيَراً .
أَلاَ وَإِنَّ هذِهِ الدُّنْيَا الَّتِي أَصْبَحْتُمْ تَتَمَنَّوْنَهَا وَتَرْغَبُونَ فِيهَا ، وَأَصْبَحَتْ تُغْضِبُكُمْ وَتُرْضِيكُمْ ، لَيْسَتْ بِدَارِكُمْ ، وَلاَ مَنْزِلِكُمُ الَّذِي خُلِقْتُمْ لَهُ وَلاَ الَّذِي دُعِيتُمْ إِلَيْهِ . أَلاَ وَإِنَّهَا لَيْسَتْ بِبَاقِيَةٍ لَكُمْ وَلاَ تَبْقَوْنَ عَلَيْهَا؛ وَهِيَ وَإِنْ غَرَّتْكُمْ مِنْهَا فَقَدْ حَذَّرَتْكُمْ شَرَّهَا . فَدَعُوا غُرُورَهَا لِتَحْذِيرِهَا ، وَأَطْمَاعَهَا لِتَخْوِيفِهَا؛ وَسَابِقُوا فِيهَا إِلَى الدَّارِ الَّتي دُعِيتُمْ إِلَيْهَا ، وَانْصَرِفُوا بِقُلُوبِكُمْ عَنْهَا؛ وَلاَ يَخِنَّنَّ أَحَدُكُمْ خَنِينَ الْأَمَةِ عَلَى مَا زُوِيَ عَنْهُ مِنْهَا ، وَاسْتَتِمُّوا نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ بِالصَّبْرِ عَلَى طَاعَةِ اللّهِ وَالْمُحَافَظَةِ عَلَى مَا

1.سورة الحجرات ۹ .

  • نام منبع :
    تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1
    تعداد جلد :
    2
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1384
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 183548
صفحه از 712
پرینت  ارسال به