اسْتَحْفَظَكُمْ مِنْ كِتَابِهِ .
أَلاَ وَإِنَّهُ لاَ يَضُرُّكُمْ تَضْيِيعُ شَيْءٍ مِنْ دُنْيَاكُمْ بَعْدَ حِفْظِكُمْ قَائِمَةَ دِينِكُمْ . أَلاَ وَإِنَّهُ لاَ يَنْفَعُكُمْ بَعْدَ تَضْيِيعِ دِينِكُمْ شَيْءٌ حَافَظْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَمْرِ دُنْيَاكُمْ .
أَخَذَ اللّهُ بِقُلُوبِنَا وَقُلُوبِكُمْ إِلَى الْحَقِّ ، وَألهَمَنَا وَإِيَّاكُمُ الصَّبْرَ!
الشّرْحُ :
لم يكن المسلمون قَبْلَ حربِ الجمل يعرفون كيفيَّة قتالِ أهل القبلة ؛ وإنما تعلّموا فقه ذلك من أمير المؤمنين عليه السلام . وقال الشافعيّ : لولا عليّ لما عرِف شيء من أحكام أهل البغي .
قوله عليه السلام : « ولا يحمل هذا العلمَ إلاّ أهلُ البصر والصبر » ، وذلك لأنّ المسلمين عَظُم عندهم حربُ أهل القبلة ، وأكبروه ؛ ومَنْ أقدَم عندهم عليه أقدَم على خوف وحذر ، فقال عليه السلام : إن هذا العلم ليس يدركه كلّ أحدٍ ، وإنّما له قوم مخصوصون . ثم أمرهم بالمضيّ عندما يأمرهم به ، وبالانتهاء عمّا ينهاهم عنه ، ونهاهم عن أن يعجَلوا بالحكْم على أمر ملتبس حتى يتبيّن ويتّضح . ثم قال : إنّ عندنا تغييرا لكلّ ما تنكرونه من الأُمور حتى يثبت أنه يجب إنكارها وتغييرها ، أي لستُ كعثمان أُصرّ على ارتكاب ما أُنهى عنه ، بل أغيّر كلّ ما ينكره المسلمون ، ويقتضي الحال والشرع تغييرَه .
ثم ذكر أنّ الدنيا التي تغضب الناس وترضيهم ؛ وهي منتهى أمانيهم ورغبتهم ، ليست دراهم ، وإنما هي طريقٌ إلى الدار الآخرة ، ومدّة اللبْث في ذلك الطريق يسيرة جداً . وقال : إنها وإنْ كانت غرّارة فإنها منذرة ومحذّرة لأبنائها بما رأوْه من آثارها في سلَفهم وإخوتهم وأحبائهم ، ومناداتها على نفسها بأنها فاعلة بهم ما فعلت بأولئك من الفناء ، وفراق المألوف . قال : فدعوا غرورَها لتحذيرها ؛ وذلك لأنّ جانب تحذيرها أوْلى بأن يعمل عليه من جانب غرورها ؛ لأنّ غرورها إنما هو بأمرٍ سريع مع التصرّم والانقضاء ، وتحذيرها إنما هو لأمرٍ جليل عظيم ؛ فإن الفناء المعجّل محسوس ؛ وقد دلّ العقل والشرائع كافّة على أنّ بعد ذلك الفناء سعادة وشقاوة ، فينبغي للعاقل أن يحذَر من تلك الشقاوة ، ويرغب في تلك السعادة ، ولا سبيلَ إلى ذلك إلاّ برفض غُرور الدنيا .
والخنين : صوت يخرجُ من الأنف عند البكاء ، وأضافه إلى الأمَة ؛ لأنّ الإماء كثيراً ما