587
تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1

الشّرْحُ :

كان هاهنا تامّة ، والواو واو الحال ، أي خُلِقْت ووجدتُ وأنا بهذه الصفة ، كما تقول : خلقني اللّه وأنا شجاع . ويجوز أن تكون الواو زائدة ، وتكون « كان » ناقصة ، وخبرها « ما أهدّد » ، كما في المثل : « لقد كنت وما أُخَشَّى بالذئب » .
ثم ذكَر عليه السلام أنه على ما وعده ربُّه من النصر ، وأ نّه واثق بالظَّفَر والغَلبة الآن ، كما كانت عادتُه فيما سبق . ثم شرح حال طلحة ، وقال : إنّه تجرّد للطّلب بدم عثمان ، مغالطةً للنّاس ، وإيهاما لهم أ نّه بريء من دمه ، فيلتبِسُ الأمرُ ، ويقع الشكّ . وقد كان طلحةُ أجهَد نفسَه في أمرِ عثمان والإجلاب عليه ، والحصْرِ له ، والإغراء به ، ومنَّتْهُ نفسه الخلافة ؛ بل تلبّس بها ، وتسلّم بيوت الأموال وأخذ مفاتيحها ، وقاتل النّاس ، وأحدقوا به ، ولم يبقَ إلاّ أن يَصْفِق بالخلافة على يده .
ثم قسم عليه السلام ما لطلحة ، فقال : لا يخلو إمّا أن يكون معتقِدا حلّ دم عثمان ، أو حرمته ؛ أو يكون شاكا في الأمرين ؛ فإن كان يعتقد حلّه لم يجُزْ له أن ينقُضَ البَيْعة لنصرة إنسان حلال الدم ، وإن كان يعتقد حرمته ، فقد كان يجب عليه أن ينهنِهَ عنه الناس ، أيْ يكفّهم . وأن يعذّر فيه ؛ بالتشديد أي يقصّر ولم يفعل ذلك ؛ وإنْ كان شاكّا ، فقد كان يجب عليه أن يعتزِل الأمر ، ويركد جانباً ؛ ولم يعتزل وإنما صَلِيَ بنار الفتنة ، وأصلاها غيرَه .
فإن قلت : كيف قالَ أمير المؤمنين عليه السلام : « فما فعل واحدة من الثلاث » ؛ وقد فعل واحدة منها ؛ لأ نّه وازر قاتليه حيث كان محصوراً!
قلت : مراده عليه السلام أ نّه إن كان عثمان ظالماً ، وجب أن يوازر قاتليه بعد قتله ؛ يحامي عنهم ، ويمنعهم ممّن يروم دماءهم ؛ ومعلوم أ نّه لم يفعل ذلك ، وإنما وازرهم وعثمان حيّ ؛ وذلك غير داخل في التقسيم .
ذكر أبو جعفر محمّد بن جرير الطبريّ في كتاب « التاريخ » قال : حدّثني عمر بن شبّة ، عن عليّ بن محمد ، عن عبد ربّه، عن نافع ، عن إسماعيل بن أبي خالد ، عن حَكِيم بن جابر ، قال : قال عليّ عليه السلام لطلحة وعثمان محصور : أنشُدك اللّه إلاّ رددتَ الناس عن عثمان! قال : لا واللّه حتى تُعطِيَ بنو أميّة الحقَّ من أنفسها . وروى الطّبريّ أنّ عثمان كان له عَلَى طلحة خمسون ألفا ، فخرج عثمان يوما إلى المسجد ، فقال له طلحة : قد تهيّأ مالك فاقبِضْه ، فقال : هو لك يا أبا محمد معونة لك على مروءتك . قال : فكان عثمان يقولُ وهو محصور : جزاء سِنمّار!


تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1
586

يُضرَبْن فيبكين ، ويُسمَع الخنين منهنّ ؛ ولأنّ الحرّة تأنف من البكاء والخنين . وزوى : قبض .
ثم ذكر أ نّه لا يضرّ المكلّف فوات قسط من الدنيا إذا حفظ قائمة دينه ، يعني القيام بالواجبات والانتهاء عن المحظورات ، ولا ينفعه حصولُ الدنيا كلّها بعد تضييعه دينه ؛ لأنّ ابتياع لذّة متناهية بلذة غيره متناهية يُخرج اللذة المتناهية من باب كونها نفعا ، ويدخلها في باب المضارّ ؛ فكيف إذا انضاف إلى عدم اللذة غير المتناهية حصول مضارّ وعقوبات غير متناهية ، أعاذنا اللّه منها!

175

الأصْلُ :

۰.ومن كلام له عليه السلام في معنى طلحة بن عبيد اللّهقَدْ كُنْتُ وَمَا أُهَدَّدُ بالْحَرْبِ ، وَلاَ أُرْهَبُ بِالضَّرْبِ ؛ وَأنَا عَلَى مَا قَدْ وَعَدَنِي رَبِّي مِنَ النَّصْرِ . وَاللّهِ مَا اسْتَعْجَلَ مُتَجَرِّداً لِلطَّلَبِ بِدَمِ عُثمانَ إِلاَّ خَوْفاً مِنْ أَنْ يُطَالَبَ بِدَمِهِ ؛ لأنَّهُ مَظِنَّتُهُ ، وَلَمْ يَكُنْ فِي الْقَوْمِ أَحْرَصُ عَلَيْهِ مِنْهُ ، فَأَرَادَ أَنْ يُغَالِطَ بِمَا أَجْلَبَ فِيهِ لِيَلْتَبِسَ الْأَمْرُ ، وَيَقَعَ الشَّكُّ . وَوَاللّهِ مَا صَنَعَ فِي أَمْرِ عُثَْمانَ وَاحِدَةً مِنْ ثَـلاَثٍ :
لَئِنْ كَانَ ابْنُ عَفَّانَ ظَالِماً ـ كَمَا كَانَ يَزْعُمُ ـ لَقَدْ كَانَ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يُوَازِرَ قَاتِلِيهِ ، وَأَنْ يُنَابِذَ نَاصِرِيهِ .
وَلَئِنْ كَانَ مَظلوماً لَقَدْ كَانَ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَكُونَ مِنَ الْمُنَهْنِهِينَ عَنْهُ ، وَالْمُعْذِرِينَ فِيهِ .
وَلَئِنْ كَانَ فِي شَكٍّ مِنَ الْخَصْلَتَيْنِ ، لَقَدْ كَانَ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَعْتَزِلَهُ وَيَرْكُدَ جَانِباً ، وَيَدَعَ النَّاسَ مَعَهُ . فَمَا فَعَلَ وَاحِدَةً مِنَ الثَّـلاَثِ ، وَجَاءَ بِأَمْرٍ لَمْ يُعْرَفْ بَابُهُ ، وَلَمْ تَسْلَمْ مَعَاذِيرُهُ .

  • نام منبع :
    تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1
    تعداد جلد :
    2
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1384
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 147269
صفحه از 712
پرینت  ارسال به