593
تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1

قُلْتُمْ : « رَبُّنَا اللّهُ » ، فَاسْتَقِيمُوا عَلَى كِتَابِهِ ، وَعَلَى مِنْهَاجِ أَمْرِهِ ، وَعَلَى الطَّرِيقَةِ الصَّالِحَةِ مِنْ عِبَادتِهِ ثُمَّ لاَ تَمْرُقُوا مِنْهَا ، وَلاَ تَبْتَدِعُوا فِيهَا ، وَلاَ تُخَالِفُوا عَنْهَا .فَإِنَّ أَهْلَ الْمُرُوقِ مُنْقَطَعٌ بِهمْ عِنْدَ اللّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ .

الشّرْحُ :

النّصب على الإغراء ؛ وحقيقته فعل مقدّر ، أي الزموا العمل ، وكرّر الاسم لينوب أحدُ اللفظين عن الفعل المقدّر ؛ والأشبه أن يكون اللّفظ الأوّل هو القائم مقام الفعل ؛ لأ نّه في رتبته . أمرهم بلزوم العمل ثم أمرهم بمراعاة العاقبة والخاتمة ، وعبّر عنها بالنهاية ؛ وهي آخر أحوالِ المكلّف التي يفارق الدنيا عليها ؛ إمّا مؤمناً أو كافراً ، أو فاسقا ، والفعل المقدّر هاهنا : راعوا وأحسنوا وأصلحوا ، ونحو ذلك . ثم أمرهم بالاستقامة وأنْ يلزموها ؛ وهي أداء الفرَائض . ثم أمرهم بالصبر عليها وملازمته ، وبملازمة الوَرع .
ثم شرع بعد هذا الكلام المجمَل في تفصيله فقال : « إنّ لكم نهاية فانتهوا إلى نهايتكم » ، وهذا لفظ رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم : « أيّها الناس ، إنّ لكم معالمَ فانتهوا إلى معالمكم ، وإنّ لكم غايةً فانتهُوا إلى غايتكم » ، والمراد بالنهاية والغاية أن يموتَ الإنسان على توبةٍ من فعل القبيح والإخلال بالواجب . ثم أمرهم بالاهتداء بالعلمَ المنصوب لهم ؛ وإنما يعني نفسَ عليه السلام .
ثم ذكر أنّ للإسلام غاية ، وأمرَهم بالانتهاء إليها ؛ وهي أداء الواجبات ، واجتناب المقبّحات . ثم أوضح ذلك بقوله : « واخرجوا إلى اللّه ممّا افترَض عليكم من حقِّه ، وبيّن لكم من وظائفه » ؛ فكشف بهذا الكلام معنى الغاية التي أجملها أولاً . ثم ذكر أ نّه شاهد لهم ، ومحاجّ يوم القيامة عنهم ؛ وهذا إشارة إلى قوله تعالى : « يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاس بإمَامِهِمْ »۱ . وحجيج : فعيل بمعنى « فاعل » ، وإنّما سمَّى نفسه حجيجا عنهم ؛ وإن لم يكن ذلك الموقف موقف مخاصمة ؛ لأ نّه إذا شهد لهم ، فكأنّه أثبت لهم الحجّة ، فصار محاجّا عنهم . قوله عليه السلام : « ألاَ وإنّ القَدَر السابق قد وقع » ، يشير به إلى خلافته .
وهذه الخطبة من أوائل الخطب التي خطب بها أيام بويع بعد قتل عثمان ؛ وفي هذا إشارة إلى أنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم قد أخبره أنّ الأمر سيُفضي إليه منتهى عمره ، وعند انقضاء أجله .

1.سورة الإسراء ۷۱ .


تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1
592

تَسْأَلُوا بِهِ خَلْقَهُ ، إِنَّهُ مَا تَوَجَّهَ الْعِبَادُ إِلَى اللّهِ تَعَالَى بِمِثْلِهِ .
وَاعْلَمُوا أَنَّهُ شَافِعٌ مُشَفَّعٌ ، وَقَائِلٌ مُصَدَّقٌ ، وَأَنَّهُ مَنْ شَفَعَ لَهُ الْقُرْآنُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ شُفِّعَ فِيهِ ، وَمَنْ مَحَلَ بِهِ الْقُرْآنُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ صُدِّقَ عَلَيْه ، فَإِنَّهُ يُنَادِي مُنَادٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ : أَلاَ إِنَّ كُلَّ حَارِثٍ مُبْتَلىً فِي حَرْثِهِ وَعَاقِبَةِ عَمَلِهِ ، غَيْرَ حَرَثَةِ الْقُرْآنِ . فَكُونُوا مِنْ حَرَثَتِهِ وَأَتْبَاعِهِ ، وَاسْتَدلُّوهُ عَلَى رَبِّكُمْ ، وَاسْتَنْصِحُوهُ عَلَى أَنْفُسِكُمْ ، وَاتَّهِمُوا عَلَيْهِ آرَاءَكُمْ ، وَاسْتَغشُّوا فِيهِ أَهْوَاءَكُمْ .

الشّرْحُ :

غشَّه يغُشّه ، بالضم ، غِشّا ، خلاف نصحَه . واللأْواء : الشِّدّة . وشَفَع له القرآن شَفاعة ، بالفتح . ومَحلَ به إلى السّلطان ، قال عنه ما يضرّه ؛ كأنّه جعلَ القرآن يَمْحُلُ يوم القيامة عند اللّه بقوم ، أيْ يقول عنهم شرّا ، ويشفع عند اللّه لقوم ، أي يُثْنِي عليهم خيراً . والحارث : المكتسب ، والحرْث : الكسب . وحَرَثَة القرآن : المتاجرون به اللّه . واستنصحوه على أنفسكم ، أي إذا أشار عليكم بأمر وأشارتْ عليكم أنفسكم بأمر يخالفه . فاقبلُوا مشورة القرآن دون مشورة أنفسكم ؛ وكذلك معنى قوله : « واتّهموا عليه آراءكم ، واستغشّوا فيه أهواءكم » .

الأصْلُ :

۰.الْعَمَلَ الْعَمَلَ ، ثُمَّ النِّهَايَةَ النِّهَايَةَ ، وَالاسْتَقَامَةَ الاسْتِقَامَةَ ، ثُمَّ الصَّبْرَ الصَّبْرَ ، وَالْوَرَعَ الْوَرَعَ ! إِنَّ لَكُمْ نِهَايَةً فَانْتَهُوا إِلى نِهَايَتِكُمْ ، وَإِنَّ لَكُمْ عَلَماً فَاهْتَدُوا بِعَلَمِكُمْ ، وَإِنَّ لِلاْسْلاَمِ غَايَةً فانْتَهُوا إِلى غَايَتِهِ . وَاخْرُجُوا إِلَى اللّهِ مِمّا افْتَرَضَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَقِّهِ ، وَبَيَّنَ لكُمْ مِنْ وَظَائِفِهِ . أنا شَاهِدٌ لَكُمْ ، وَحَجِيجٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَنْكُمْ .
أَلاَ وَإِنَّ الْقَدَرَ السَّابِقَ قَدْ وَقَعَ ، وَالْقَضَاءَ الْمَاضِيَ قَدْ تَوَرَّدَ ، وَإِنِّي مُتَكَلِّمٌ بِعِدَةِ اللّهِ وَحُجَّتِهِ ، قَالَ اللّهُ جَلَّ ذِكْرُهُ : « إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلاَئِكَةُ أَنْ لاَ تَخَافُوا ، وَلاَ تَحْزَنُوا ، وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ » ؛ وَقَدْ

  • نام منبع :
    تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1
    تعداد جلد :
    2
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1384
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 183677
صفحه از 712
پرینت  ارسال به