595
تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1

وَلاَ يَسْتَقِيمُ قَلْبُهُ حَتَّى يَسْتَقِيمَ لِسَانُهُ . فَمَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ أَنْ يَلْقَى اللّهَ سُبحانَهُ ، وَهُوَ نَقِيُّ الرَّاحَةِ مِنْ دِمَاءِ الْمُسْلِمِينَ وَأَمْوَالِهِمْ ، سَلِيمُ اللِّسَانِ مِنْ أَعْرَاضِهِمْ ، فَلْيَفْعَلْ .

الشّرْحُ :

تهزيعُ الأخلاق : تغييرها ؛ وأصل الهَزْع : الكسر ، أسد مهزِّع : يكسِر الأعناق ويرضّ العظام ، ولمّا كانَ المتصرّف بخلُقه ، الناقل له من حال قد أعدم سمته الأُولى كما يعدم الكاسر صورة المكسور ؛ اشتركاً في مسمّىً شامل لهما ؛ فاستعمل التهزيع في الخلْق للتغيير والتبديل مجازا .
قوله : « واجعلوا اللّسان واحداً » ، نهى عن النّفاق واستعمال الوجهين . قال : « وليخزُن الرجل لسانه » ، أي ليحبسْه ؛ فإنّ اللسان يجمح بصاحبه فيلقيه في الهلكة . ثم ذكر أنه لا يرى التقوى نافعة إلاّ مع حبس اللسان ؛ قال : فإنّ لسان المؤمن وراء قلبه ، وقلب الأحمق وراء لسانه ؛ وشرَح ذلك وبيّنه .
فإن قلت : المسموع المعروف : « لسان العاقل من وراء قلبه ، وقلْب الأحمق وراء لسانه » كيف نقله إلى المؤمن والمنافق؟
قلت : لأ نّه قلّ أن يكون المنافق إلاّ أحمق ، وقلّ أن يكون العاقل إلاّ مؤمناً ، فلأكثريّة ذلك ، استعمل لفظ « المؤمن » ؛ وأراد العاقل ، ولفظ « المنافق » وأراد الأحمق .
ثم روى الخبر المذكور عن النبي صلى الله عليه و آله وسلم وهو مشهور . ثم أمرهم بالاجتهاد في أن يلقوا اللّه تعالى وكلٌّ منهم نقيّ الراحة من دماء المسلمين وأموالهم ، سليم اللسان من أعراضهم ؛ وقد قال النبيّ صلى الله عليه و آله وسلم : « إنما المسلِم مَنْ سلم المسلمون من لسانه ويده » ، فسلامتهم من لسانه سلامة أعراضهم ، وسلامتهم من يده سلامة دمائهم وأموالهم ؛ وانتصاب « تهزيع » على التحذير ؛ وحقيقته تقدير فعل ، وصورته : جنّبوا أنفسكم تهزيعَ الأخلاق ؛ فـ « إياكم » قائم مقام أنفسكم ، والواو عوضٌ عن الفعل المقدّر ، وأكثر ما يجيء بالواو .

الأصْلُ :

۰.وَاعْلَمُوا عِبَادَ اللّهِ أَنَّ الْمُؤمِنَ يَسْتَحِلُّ الْعَامَ مَا اسْتَحَلَّ عَاماً أَوَّلَ ، وَيُحَرِّمُ الْعَامَ مَا حَرَّمَ عَاماً أَوَّلَ؛ وَإنَّ مَا أَحْدَثَ النَّاسُ لاَ يُحِلُّ لَكُمْ شَيْئاً مِمَّا حُرِّمَ عَلَيْكُمْ ، وَلكِنَّ


تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1
594

ثم أخبرهم أنه سيتكلّم بوعد اللّه تعالى ومحجّته على عباده في قوله : « إنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللّهُ ثُمَّ استَقَامُوا ... »۱ الآية ، ومعنى الآية أنّ اللّه تعالى وعد الذين أقرُّوا بالربوبية ولم يقتصروا على الإقرار ، بل عقّبوا ذلك بالاستقامة أن ينزّل عليهم الملائكة عند موتهم بالبشرى ، ولفظة « ثمَّ » للتراخي ، والاستقامة مفضّلة على الإقرار باللسان ؛ لأنّ الشأن كلّه في الاستقامة ، ونحوها قوله تعالى : « إنَّمَا المُؤمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللّهِ وَرَسُولِهِ ثمَّ لَمْ يَرْتَابُوا »۲ ، أي ثمّ ثبتوا على الإقرار ومقتضياته ، والاستقامة هاهنا ، هي الاستقامة الفعلية شافعة للاستقامة القولية . وتتنزّل عليهم الملائكة ، عند الموت ، أو في القبر ، أو عند النشور . وألاّ تخافوا « أن » بمعنى « أي » ، أو تكون خفيفة من الثقيلة ، وأصله « أنه لا تخافوا » والهاء ضمير الشأن .
وقد فسر أمير المؤمنين الاستقامة المشترطة في الآية ، فقال : قد أقررتم بأنّ اللّه ربكم فاستقيموا على كتابه ، وعلى منهاج أمره ، وعلى الطريقة الصالحة من عبادته . لا تمرقوا منها ، مرق السهمُ ، إذا خرج من الرميّة مروقا . ولا تبتدعوا : لا تحدثوا ما لم يأت به الكتاب والسنة . ولا تخالفوا عنها ، تقول : خالفت عن الطريق ، أي عدلتُ عنها . قال : فإنّ أهل المروق منقطع بهم ، بفتح الطاء . انقُطِع بزيد بضم الهمزة ، فهو منقطَعٌ به ، إذا لم يجد بلاغاً ووصولاً إلى المقصد .

الأصْلُ :

۰.ثُمَّ إِيَّاكُمْ وَتَهْزِيعَ الْأَخْلاَقِ وَتَصْرِيفَهَا ، وَاجْعَلُوا اللِّسَانَ وَاحِداً ، وَلْيَخْزُنِ الرَّجُلُ لِسَانَهُ ، فَإِنَّ هذَا اللِّسَانَ جَمُوحٌ بِصَاحِبِهِ . وَاللّهِ مَا أَرَى عَبْداً يَتَّقِي تَقْوَى تَنْفَعُهُ حَتَّى يَخْزُنَ لِسَانَهُ . وَإِنَّ لِسَانَ الْمُؤمِنِ مِنْ وَرَاءِ قَلْبِهِ ، وَإِنَّ قَلْبَ الْمُنَافِقِ مِنْ وَرَاءِ لِسَانِهِ ، لاِنَّ الْمُؤْمِنَ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَتَكَلَّمَ بَكَلاَمٍ تَدَبَّرَهُ فِي نَفْسِهِ ، فَإِنْ كَانَ خَيْراً أَبْدَاهُ ، وَإِنْ كَانَ شَرّاً وَارَاهُ . وَإِنَّ الْمُنَافِقَ يَتَكَلَّمُ بِمَا أَتَى عَلَى لِسَانِهِ لاَ يَدْرِي مَاذَا لَهُ ، وَمَاذَا عَلَيْهِ . وَلَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلَّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم : لاَيَسْتَقِيمُ إِيمَانُ عَبْدٍ حَتَّى يَسْتَقِيمَ قَلْبُهُ .

1.سورة فصلت ۳۰ .

2.سورة الحجرات ۱۵ .

  • نام منبع :
    تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1
    تعداد جلد :
    2
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1384
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 183668
صفحه از 712
پرینت  ارسال به