وَلاَ يَسْتَقِيمُ قَلْبُهُ حَتَّى يَسْتَقِيمَ لِسَانُهُ . فَمَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ أَنْ يَلْقَى اللّهَ سُبحانَهُ ، وَهُوَ نَقِيُّ الرَّاحَةِ مِنْ دِمَاءِ الْمُسْلِمِينَ وَأَمْوَالِهِمْ ، سَلِيمُ اللِّسَانِ مِنْ أَعْرَاضِهِمْ ، فَلْيَفْعَلْ .
الشّرْحُ :
تهزيعُ الأخلاق : تغييرها ؛ وأصل الهَزْع : الكسر ، أسد مهزِّع : يكسِر الأعناق ويرضّ العظام ، ولمّا كانَ المتصرّف بخلُقه ، الناقل له من حال قد أعدم سمته الأُولى كما يعدم الكاسر صورة المكسور ؛ اشتركاً في مسمّىً شامل لهما ؛ فاستعمل التهزيع في الخلْق للتغيير والتبديل مجازا .
قوله : « واجعلوا اللّسان واحداً » ، نهى عن النّفاق واستعمال الوجهين . قال : « وليخزُن الرجل لسانه » ، أي ليحبسْه ؛ فإنّ اللسان يجمح بصاحبه فيلقيه في الهلكة . ثم ذكر أنه لا يرى التقوى نافعة إلاّ مع حبس اللسان ؛ قال : فإنّ لسان المؤمن وراء قلبه ، وقلب الأحمق وراء لسانه ؛ وشرَح ذلك وبيّنه .
فإن قلت : المسموع المعروف : « لسان العاقل من وراء قلبه ، وقلْب الأحمق وراء لسانه » كيف نقله إلى المؤمن والمنافق؟
قلت : لأ نّه قلّ أن يكون المنافق إلاّ أحمق ، وقلّ أن يكون العاقل إلاّ مؤمناً ، فلأكثريّة ذلك ، استعمل لفظ « المؤمن » ؛ وأراد العاقل ، ولفظ « المنافق » وأراد الأحمق .
ثم روى الخبر المذكور عن النبي صلى الله عليه و آله وسلم وهو مشهور . ثم أمرهم بالاجتهاد في أن يلقوا اللّه تعالى وكلٌّ منهم نقيّ الراحة من دماء المسلمين وأموالهم ، سليم اللسان من أعراضهم ؛ وقد قال النبيّ صلى الله عليه و آله وسلم : « إنما المسلِم مَنْ سلم المسلمون من لسانه ويده » ، فسلامتهم من لسانه سلامة أعراضهم ، وسلامتهم من يده سلامة دمائهم وأموالهم ؛ وانتصاب « تهزيع » على التحذير ؛ وحقيقته تقدير فعل ، وصورته : جنّبوا أنفسكم تهزيعَ الأخلاق ؛ فـ « إياكم » قائم مقام أنفسكم ، والواو عوضٌ عن الفعل المقدّر ، وأكثر ما يجيء بالواو .
الأصْلُ :
۰.وَاعْلَمُوا عِبَادَ اللّهِ أَنَّ الْمُؤمِنَ يَسْتَحِلُّ الْعَامَ مَا اسْتَحَلَّ عَاماً أَوَّلَ ، وَيُحَرِّمُ الْعَامَ مَا حَرَّمَ عَاماً أَوَّلَ؛ وَإنَّ مَا أَحْدَثَ النَّاسُ لاَ يُحِلُّ لَكُمْ شَيْئاً مِمَّا حُرِّمَ عَلَيْكُمْ ، وَلكِنَّ