601
تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1

« الظلماء » ، ويكون « الصفا » في أدراج الكلام أُسْوة بكلمة من الكلمات . والذّرّ : صغار الّنمل . ويعلم مساقط الأوراق ، من قوله تعالى : « وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إلاَّ يَعْلَمُهَا »۱ . وطَرْف الأحداق : مصدر طرَف البصر يطرُف طَرْفاً ، إذا انطبق أحدُ الجفنين على الآخر ؛ ولكونه مصدرا وقع على الجماعة كما وقع على الواحد ، فقال عليه السلام : « طَرْف الأحداق » ، كما قال سبحانه : « لاَ يَرْتَدُّ إليْهِمْ طَرْفُهُمْ »۲ . وغير معدول به : غير مسوًّى بينه وبين أحد . والدِّخلة ، بكسر الدال : باطن الأمر ، ويجوز الدُّخْلَة بالضمّ . والمعتام : المختار . والعِيمة بالكسر : خِيارُ المال ؛ اعتام الرجل ، إذا أخذَ العِيمة . والعقائل : جمع عقِيلة ، وهي كريمة كلّ شيء من الناس والإبل وغير ذلك ، ويقال للدرّة عقيلة البحر . وأشراط الهدى : علاماته ، ومنه أشراط الساعة قال تعالى : « فَقَد جَاء أشْرَاطُها »۳ . والغِربيب : الأسود الشّديد السواد . ويُجلى به غربيب العمى : تُكشَفُ به ظُلَم الضلال ، وتستنير بهدايته . وقوله تعالى : « وَغَرابِيبُ سُودٌ »۴ ، ليس على أنّ الصفة قد تقدّمت على الموصوف ، بل يجعل السود بدلاً من الغرابيب .
فإن قلت : الهاء في « حقائقه » إلى ماذا ترجع؟
قلت : إلى البارئ سبحانه ، وحقائقه حقائق توحيده وعدله ، فالمضاف محذوف ، ومعنى حقائق توحيده : الأُمور المحقّقة اليقينيّة التي لا تعتريها الشكوك ، ولا تتخالجها الشّبه .

الأصْلُ :

۰.أَيُّهَا النَّاسُ ، إِنَّ الدُّنْيَا تَغُرُّ الْمُؤمِّلَ لَهَا وَالْمُخْلِدَ إِلَيْهَا ، وَلاَ تَنْفَسُ بِمَنْ نَافَسَ فِيهَا ، وَتَغْلِبُ مَنْ غَلَبَ عَلَيْهَا . وَايْمُ اللّهِ ، مَا كَانَ قَوْمٌ قَطُّ فِي غَضِّ نِعْمَةٍ مِنْ عَيْشٍ فَزَالَ عَنْهُمْ إِلاَّ بِذُنُوبٍ اجْتَرَحُوهَا ؛ لأَنَّ اللّهَ لَيْسَ بِظَـلاَّمٍ لِلْعَبِيدِ .
وَلَوْ أَنَّ النَّاسَ حِينَ تَنْزِلُ بِهِمُ النِّقَمُ ، وَتَزُولُ عَنْهُمُ النِّعَمُ ، فَزِعُوا إِلَى رَبِّهِمْ بِصِدْقٍ مِنْ نِيَّاتِهمْ ، وَوَلَهٍ مِنْ قُلُوبِهمْ ، لَرَدَّ عَلَيْهِمْ كُلَّ شَارِدٍ ، وَأَصْلَحَ لَهُمْ كُلَّ فَاسِدِ . وَإِنِّي

1.سورة الأنعام ۵۹ .

2.سورة إبراهيم ۴۳ .

3.سورة محمد ۱۸ .

4.سورة فاطر ۲۷ .


تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1
600

179

الأصْلُ :

۰.ومن خطبة له عليه السلاملاَ يَشْغَلُهُ شَأْنٌ ، وَلاَ يُغَيِّرُهُ زَمَانٌ ، وَلاَ يَحْوِيهِ مَكَانٌ ، وَلاَ يَصِفُهُ لِسَانٌ ، وَلاَ يَعْزُبُ عَنْهُ عَدَدُ قَطْرِ الْمَاءِ ، وَلاَ نُجُومِ السَّمَاءِ ، وَلاَ سَوَافِي الرِّيحِ فِي الْهَوَاءِ ، وَلاَ دَبِيبُ الَّنمْلِ عَلَى الصَّفَا ، وَلاَ مَقِيلُ الذَّرِّ فِي اللَّيْلَةِ الظَلمَاءِ . يَعْلَمُ مَسَاقِطَ الْأَوْرَاقِ ، وَخَفِيَّ طَرْفِ الْأَحْدَاقِ .
وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلهِ إِلاَّ اللّهُ غَيْرَ مَعْدُولٍ بِهِ ، وَلاَ مَشْكُوكٍ فِيهِ ، وَلاَ مَكْفُورٍ دِينُهُ ، وَلاَ مَجْحُودٍ تَكْوِينُهُ ، شَهَادَةَ مَنْ صَدَقَتْ نِيَّتُهُ ، وَصَفَتْ دِخْلَتُهُ وَخَلَصَ يَقِينُهُ ، وَثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ . وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الْمُجْتَبَى مِنْ خَلاَئِقِهِ ، وَالْمُعْتَامُ لِشَرْحِ حَقَائِقِهِ ، وَالُْمخْتَصُّ بِعَقَائِلِ كَرَامَاتِهِ ، وَالْمُصْطَفَى لِكَرَائِمِ رِسَالاَتِهِ ، وَالْمُوَضَّحَةُ بِهِ أَشْرَاطُ الْهُدَى ، وَالْمَجْلُوُّ بِهِ غِرْبِيبُ الْعَمَى .

الشّرْحُ :

لا يشغلَهُ أمر ؛ لأنّ الحيّ الذي تشغله الأشياء هو الحيّ العالم بالبعض دون البعض ، والقادر على البعض دون البعض ؛ فأمّا من لا يغيب عنه شيء أصلاً ، ولا يعجز عن شيء أصلاً ، ولا يمنعه من إيجاد مقدوره ـ إذا أراد ـ مانع أصلاً ؛ فكيف يشغَلُه شأن ؟! وكذلك لا يغيّره زمان ؛ لأ نّه واجب الوجود ، ولا يحويه مكان ؛ لأ نّه ليس بجسم ، ولا يصفه لسان ؛ لأنّ كُنْه ذاته غيرُ معلوم ، وإنما المعلوم منه إضافات أو سلوب . ولا يعزب عنه أمر من الأُمور ، أي لا يفوته عِلْم شيء أصلاً .
والسوافي : التي تَسْفِي التراب ، أي تَذْرُوهُ . والصفا ، مقصور : الصخر الأملس ؛ ولا وقف عليها هاهنا ؛ لأنّ المقصور لا يكون في مقابلة الممدود ، وإنما الفقرة المقابلة للهواء هي

  • نام منبع :
    تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1
    تعداد جلد :
    2
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1384
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 152544
صفحه از 712
پرینت  ارسال به