لكن الشارح وجد فرصة للتشفي من الشيعة عموماً فاعتبر أن الدعاء كان عليهم وأن دعوة الإمام أُجيبت فيهم . لا يا شريح ليس كذلك . فالإمام لم يدع على شيعته ، وإنما دعاؤه على الفرقة التي ابتُلي بها ، والتي إذا أمر لم تُطع ، وإذا دعا لم تُجب . ثم تبرأ من صحبتهم له ، ولم يستكثر بجمعهم ، ولا أحسب أن هذه الفرقة التي عناها تعدو الخوارج ، فالنعوت التي نعتها بها هي ألصق بهم .
وتعميم الشارح ان دعوة الإمام المستجابة كانت على شيعته ، هذا التعميم تفوح منه رائحة العداء والتشفّي ، وهي بالتالي شنشة نعرفها من أخزم .
وذكره للأيام الأموية تحرير لمقولته وتغطية لها ، وإلاّ فالشيعة لاقت من بني العباس أضعاف ما لاقته من أُمية .
والخطبة التالية تشهد على ما قلناه .
إنما الشيعة ، اولئك الذين اخلصوا الولاء لإمامهم ، وعرفوه حق معرفته وإن لم يعرفه على حقيقته ، وأنزلوه منزلته التي أنزله اللّه ورسوله ، ثم هم أطوع له ومتّبعوه اتباع الفصيل لأُمّه .
وأخيراً وإن صح ما لاقته الشيعة زمن أُميّة من اضطهاد وظلم وعسف وجور إلاّ أنهم ليسوا المدعو عليهم ، ولا يصح بحال اعتبارهم من اولئك ، إذ أئمتهم عليهم السلام كانوا بين ظهرانيهم ولاقوا من بني أُميّة ما لاقوه .
ثم أقسم أ نّه إذا جاء يومُه لتكونَنّ مفارقته لهم عن قِلىً ؛ وهو البغض ، وأدخل حَشْوةً بين أثناء الكلام ، وهي « ليأتينّي » وهي حشوة لطيفة . والواو في قوله : « وأنا لِصُحْبَتكُمْ » ، واو الحال ، وكذلك الواو في قوله : « وبكم غير كثير » ؛ وقوله : « غير كثير » لفظ فصيح .
قوله : « للّه أنتم » للّه ، في موضع رفع ؛ لأ نّه خبر عن المبتدأ الذي هو « أنتم » ، ومثله : للّه دَرّ فلان ! وللّه بلادُ فُلان ! وللّه أبوك ! اللام هاهنا فيها معنى التعجّب ؛ والمراد بقوله : « للّه أنتم » للّه سعيكم ، أو للّه عملكم ، كما قالوا « للّه دَرّك ! » ، أي عملك ، فحذِف المضاف ، وأُقيم الضمير المنفصل المضاف إليه مقامه . قوله عليه السلام : « أما دينٌ يجمعكم ! » ارتفاع « دين » على أ نّه فاعل فعلٍ مقدّر له ، أي أما يجمعكم دين يجمعكم ! اللفظ الثّاني مفسر للأول كما قدرناه بعد « إذا » في قوله سبحانه : « إذَا السَّمَاء انشَقَّت » ويجوز أن يكون « حَمِيّة »مبتدأ ، والخبر محذوف تقديره : أما لكم حميّة ! والحمِيّة : الأنَفة . وشحذتُ النّصل : أحددته .