623
تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1

من البدريين .
ثم قال عليه السلام : « وأين ذو الشّهادتين » ، هو خزيمة بن ثابت بن الفاكه بن ثعلبة الخطْميّ الأنصاري من بني خَطْمة ، من الأوْس . جعل رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم شهادته كشهادة رجلين ؛ لقصّة مشهورة ، يكنّى أبا عمارة ، شهد بدرا وما بعدها من المشاهد .
ثم قال عليه السلام : « وأين نظراؤهم من إخوانهم » ، يعني الذين قتِلُوا بصِفّين معه من الصحابة ، كابن بُدَيل ، وهاشم بن عتبة ، وغيرهما ممّن ذكرناه في أخبار صِفّين . و « تعاقدوا على المنيّة » : جعلوا بينهم عقداً ، وروي « تعاهدوا » . « وأُبرِد برؤوسهم إلى الفَجَرة » : حمِلت رؤوسهم مع البريد إلى الفَسقة للبشارة بها ، والفجرة هاهنا : أُمراء عسكر الشام .
قوله : « أوْهِ على إخواني » ساكنة الواو مكسورة الهاء ، كلمة شكوى وتوجُّع . قوله عليه السلام : « ووثِقُوا بالقائد فاتّبعوه » ، يعني نفسه ، أي وثقوا بأنّي على الحقّ ، وتيقّنوا ذلك ، فاتّبعوني في حربَ مَنْ حاربت ، وسِلْم مَنْ سالمت . قوله : « الجهادَ الجهادَ » ، منصوب بفعل مقدّر . وإنّي معسكر في يومي ، أي خارج بالعَسْكر إلى منزل يكونُ لهم معسكرا .
قوله ۱ « تختطفها الذئاب » ، الاختطاف : أخذُك الشيء بسرعة ، ويروى « تتخطّفها » ، قال تعالى : « تَخَافُونَ أن يَتَخطَّفَكُمُ النَّاسُ »۲ .
ويقال : إن هذه الخطبة آخرُ خطبة لأمير المؤمنين عليه السلام قائما .

184

الأصْلُ :

۰.من خطبة له عليه السلامالْحَمْدُ للّه الْمَعْرُوفِ مِنْ غَيْرِ رُؤْيَةٍ ، الْخَالِقِ مِنْ غَيْرِ مَنْصَبَةٍ . خَلَقَ الْخَـلاَئِقَ بِقُدْرَتِهِ ، وَاسْتَعْبَدَ الْأَرْبَابَ بِعِزَّتِهِ ، وَسَادَ الْعُظَمَاءَ بِجُودِهِ ؛ وَهُوَ الَّذِي أَسْكَنَ الدُّنْيَا

1.هو قول الراوي نوف البكالي .

2.سورة الأنفال ۲۶ .


تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1
622

الشّرْحُ :

بثثتُ لكم المواعظ : فرّقتُها ونشرتُها . والأوصياء : الذين يأتمنُهم الأنبياء على الأسرار الإلهية ؛ وقد يمكن ألاّ يكونوا خلفاء بمعنى الإمرة والولاية ، فإنّ مرتبتهم أعْلَى من مراتب الخلفاء . وحدوتكم : سقتكم كما تحدَى الإبل . فلم تستوسقوا ، أي لم تجتمعوا .
قوله : « يطأ بكم الطريق » ، أي يحملكم على المِنْهاج الشرعيّ ، ويسلك بكم مسلَك الحقّ ، كأنّه جعلهم ضالّين عن الطريق التي يطلبونها . وقال : أتريدون إماما غيري يوقفكم على الطريق التي تطلبونها حتى تطؤوها وتسلكوها ؟
ثم ذكر أ نّه قد أدبر من الدّنيا ما كان مقبلاً ؛ وهو الهدى والرشاد ، فإنّه كان في أيّام رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم مقبلاً ؛ ثم أدبر عند استيلاء معاوية وأتباعه ؛ وأقبل منها ما كان مدبرا ؛ وهو الضلال والفساد . ومعاوية عند أصحابنا مطعون في دينه ، منسوبٌ إلى الإلحاد ؛ قد طعن فيه صلى الله عليه و آله وسلم .
قوله عليه السلام : « وأزمَع التّرحال » أي ثبت عزمُهم عليه ؛ يقال : أزمعتُ الأمرَ ؛ ولا يقال : أزمعتُ على الأمر ، هكذا يقول الكسائيّ ؛ وأجازه الخليل والفرّاء . ثم قال عليه السلام : إنّه لم يضرّ إخواننا القتلَى بصِفّين كونهم اليوم ليسوا بأحياء حياتنا المشوبة بالنّغص والغُصَص . ويقال : ماء رنْق ، بالتسكين ، أي كدر ، رنِق الماء بالكسر ؛ يرنق رنقاً فهو رَنْق ، وأرنقته ؛ أي كدّرته ، وعيش رَنِق بالكسر ، أي كَدِر . ثم أقسم إنّهم لَقُوا اللّه فوفّاهم أُجورهم ؛ وهذا يدلّ عَلَى ما يذهب إليه جمهور أصحابنا من نعيم القبر وعذابه . ثم قال عليه السلام : « أين إخوانِي » ؟ ثم عدّدهم ، فقال : « أين عمار » ؟
وهو عمّار بن ياسر بن عامر بن كنانة بن قيس العنسيّ ـ بالنّون ـ المذحِجيّ ؛ يكنى أبا اليقظان ، حليف بني مخزوم وتواترتِ الأخبار عَنْ رسولِ اللّه صلى الله عليه و آله وسلم أ نّه قال : « تقتُلُ عمّارا الفئة الباغية » ، وهذا من إخباره بالغيب ، وأعلام نبوّته صلى الله عليه و آله وسلم ، وهو من أصح الأحاديث .
وكانت صِفّين في ربيع الآخر سنة سبع وثلاثين ، ودفَنَه عليٌّ عليه السلام في ثيابه ولم يغسّله . وكانت سنّ عمّار يوم قُتل نيّفا وتسعين سنة .
ثم قال عليه السلام : « وأين ابن التّيِّهان » ، هو أبو الهيثم بن التّيهان ؛ واسمه مالك ، واسم أبيه مالك أيضا ، ابن عبيد بن عمرو بن عبد الأعلم بن عامر الأنصاري ، وإنَّه حليفٌ لبني عبد الأشهل ؛ كان أحدَ النّقباء ليلة العقبة ، وشهد بدرا . قال أبو عمر : إنه أدرك صفين ، وشهدها مع علي عليه السلام ، وقال : وممن قتل بصفين عمار ، وأبو الهيثم بن التيهان ، وعبد اللّه بن بديل وجماعة

  • نام منبع :
    تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1
    تعداد جلد :
    2
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1384
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 147262
صفحه از 712
پرینت  ارسال به