645
تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1

أكّدوه عليه بالسّعايات والنمّـائم ، وإغراء السلطان به . « ومقنِطُو الرّجاء » ، أي أهل الرجاء ، أي يبدّلون بشرورهم وأذاهم رَجاء الرّاجي قُنوطاً .
قوله : « وإلى كلّ قلب شفيع » ، يصف خلابة ألسنتِهم وشدّة مَلقِهم ، فقد استحوذُوا عَلَى قلوب الناس بالرّياء والتصنّع . « ولكل شجو دموع » ، الشجو : الحزْن ، أي يبكون تباكيا وتعمّلاً لاحقا ، عند أهلِ كلّ حزن ومصاب . يتقارضون الثناء ، أي يثني زيد عَلَى عمرو ، ليثنيَ عمروٌ عليه في ذلك المجلس ، أو يبلغه فيثني عليه في مجلس آخر ، مأخوذ من القَرْض . ويتراقبون الجزاء : يرتقب كلّ واحدٍ منهم عَلَى ثنائه ومدْحِه لصاحبه جزاءً منه ، إمّا بالمال أو بأمر آخر ، نحو ثناء يثني عليه ، أو شفاعة يشفع له ، أو نحو ذلك . والإلحاف في السؤال : الاستقصاء فيه ، وهو مذموم ، قال اللّه تعالى : « لاَ يَسْأَلُونَ النَّاسَ إلحافا »۱ .
قوله : « وإن عَذَلوا كشفوا » ، أي إذا عذَلك أحدُهم كشف عيوبَك في ذلك اللّوم والعَذَل ، وجبّهك بها ، وربّما لا يستحي أن يذكُرَ حالك بمحضر ممّن لا تحبّ ذكرَها بحضْرته ، وليسوا كالناصحين عَلَى الحقيقة ، الذين يعرّضون عند العتاب بالذنب تعريضا لطيفاً ليقلع الإنسان عنه . وإن حكموا أسرفُوا ، إذا سألك أحدُهم ففوّضتَه في مالك أسرفَ ولم يقنع بشيء ، وأحبّ الاستئصال . قد أعدُّوا لكلّ حقٍّ باطلاً ؛ يقيمون الباطل في معارضة الحقّ ، والشبهة في مصادمة الحجّة . ولكلِّ دليلٍ قائم وقول صحيح ثابت ، احتجاجاً مائلاً مضادّا لذلك الدليل ، وكلاماً مضطربا لذلك القول . ولكلّ باب مفتاحاً ، أي ألسنتهم ذلِقةٌ قادرةٌ عَلَى فَتْح المغلَقاتِ ، للطْف توصّلهم ، وظَرْف منطقهم . ولكل ليل مصباحاً ، أي كلّ أمرٍ مظلم فقد أعدّوا له كلاما ينيره ويضيئه ، ويجعله كالمصباح الطارِد للّيل . ويتوصلون إلى مطامعهم بإظهار اليأس عمّا في أيدي الناس ، وبالزّهد في الدنيا . وفي الأثر : شرّكم مَنْ أخذ الدنيا بالدين .
ثم قال : إنّما فعلوا ذلك ليقيموا به أسواقَهم ، أي لتنفق سِلْعَتُهم . والأعلاق : جمع عِلْق ، وهو السلعة الثمينة . يقولون فيشبّهون ، يوقعون الشُّبَه في القلوب . ويصفون فيموّهون ؛ التمويه التزيين ، وأصله أن تطلى الحديدة بذهب يحسّنها . قد هيّئوا الطريق ، أي الطريق الباطل قد هيئوها لتُسلك بتمويهاتهم . وأضلعوا المضيق : أمالوه ، وجعلوه ضِلَعاً ، أي معوجّا ، أي جعلوا المسلك الضيّق معوجّا بكلامهم وتلبيسهم ، فإذا أسلكوه إنسانا اعوجّ

1.سورة البقرة ۲۷۳ .


تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1
644

الصِّبيان به ، وفَرْث الكرِش على رأسِه ، وفَتْل الثّوب في عنُقه ، وحَصْره وحَصْر أهله في شِعْب بني هاشم سنين عدّة محرّمة معاملتهم ومبايعتهم ومناكحتهم وكلامهم ، حتى كادوا يموتون جوعا ، ثم ضرْبهم أصحابه وتعذيبهم بالجوع والوَثاق في الشمس ، وطردهم إياهم عن شِعاب مكة ، حتى خرج مَنْ خرج منهم إلى الحبشة ، وخرج عليه السلام مستجيرا منهم تارة بثقيف ، وتارة ببني عامر ، وتارة بربيعة الفَرَس ، وبغيرهم . ثم أجمعوا على قتله والفتك به ليلاً ، حتى هرب منهم لائذا بالأوْس والخزرج ، تاركا أهله وأولاده ، وما حوتْه يده ، ناجيا بحُشاشة نفسه ، حتى وصل إلى المدينة ؛ فناصبوه الحرب ورموه بالمناسر والكتائب ، وضربوا إليه آباط الإبل ، ولم يزل منهم في عناء شديد ، وحروب متّصلة ، حتّى أكرمه اللّه تعالى ونَصَره ، وأيّد دينَه وأظهره . ومَنْ له أُنْسٌ بالتواريخ يعلم من تفاصيل هذه الأحوال ما يطول شرحه .
سمّى النِّفاق نِفاقا من النّافقاء ، وهي بيت اليَرْبُوع ، له بابان يدخلُ من أحدهما ، ويخرج من الآخر ، وكذلك الّذي يُظهر دينا ويبطن غيره . والضالّون المضِلُّون : الذين يُضِلّون أنفسَهم ويُضِلّون غيرَهم ؛ وكذلك الزالّون المزِلّون ؛ زلّ فلان عن الأمر ، أي أخطأ ، وأزلّه غيرُه . قوله : « يفتنُّون » يتشعّبون فنوناً ، أي ضروباً . ويعمِدونكم ، أي يهدّونكم ويفدحونكم ؛ يقال : عمَده المرض يعمِده ، أي هدّه ، ومنه قولهم للعاشق : عميد القلب . قوله : « بعمادٍ » ، أي بأمر فادح وخطب مؤلم ، وأصل العَمْد انشداخُ سَنَام البعير ، وماضيه : عمِد السنام بالكسر ، عَمْداً فهو عَمِد . ويرصدونكم : يعدّون المكايد لكم ، أرصدت : أعددت . وقلب دوٍ ، بالتخفيف ، أي فاسد ، من داء أصابه ، وامرأة دويَة ؛ فإذا قلت : رجل دوَى ، بالفتح ، استوى فيه المذكر والمؤنث والجماعة ؛ لأ نّه مصدر في الأصل ، ومن روى : « دويّة » بالتشديد ، عَلَى بُعده ، فإنما شدده ليقابل « نقيّة » . والصِّفَاح : جمع صَفْحة الوجه وهي ظاهره ، يقول : باطنهم عليل ، وظاهرهم صحيح . يمشون الخَفاء ، أي في الخفاء ، ثم حذف الجار فنصب ، وكذلك يدبّون الضّرّاء ، والضَّرَاء : شجر الوادي الملتفّ ، وهذا مثل يضربُ لمن يختلُ صاحبه ، يقال : هو يدبّ له الضرَاء ويمشي له الخَمر ، وهو جَرْف الوادي .
ثم قال : « وصفهم داء ، وقولهم شفاء ، وفعلهم الدّاء العَياء » ، أي أقوالهم أقوال الزاهدين العابدين ، وأفعالهم أفعال الفاسقين الفاجرين . والدّاء العَياء : الذي يُعيي الأُساءة . ثم قال : « حَسَدة الرخاء » يحسُدون عَلَى النعم . « ومؤكّدو البلاء » ، إذا وقع واحد من الناس في بلاء

  • نام منبع :
    تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1
    تعداد جلد :
    2
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1384
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 147400
صفحه از 712
پرینت  ارسال به