65
تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1

اضْطَرَبَ فِيهَا . أَحَالَ الْأَشْيَاءَ لِأَوْقَاتِها ، وَلاءَمَ بَيْنَ مُخْتَلِفَاتِهَا ، وَغَرَّزَ غَرائِزَهَا ، وَألْزَمَهَا أَشْبَاحَهَا ، عَالِما بِهَا قَبْلَ ابْتِدَائِهَا ، مُحِيطا بِحُدُودِها وَانْتِهَائِهَا ، عَارفا بِقَرائِنِهَا ، وَأَحْنَائِهَا .

الشّرْحُ :

قوله عليه السلام : « كائن » ، وإن كان في الاصطلاح العرفيّ مقولا على ما ينزَّه البارئ عنه ؛ فمراده به المفهوم اللغوي ؛ وهو اسم فاعل من « كان » ، بمعنى وجد ، كأنّه قال : موجود غير محدَث .
فإن قيل : فقد قال بعده : « موجود لا عن عدَم » ، فلا يبقى بين الكلمتين فرق . قيل : بينهما فرق ، ومراده بالموجود لا عن عدم هاهنا وجوب وجوده ونفي إمكانه ؛ لأنّ مَنْ أثبت قديما ممكنا ، فإنه وإن نفى حدوثَه الزمانيّ فلم ينفِ حدوثَه الذاتيّ ، وأمير المؤمنين عليه السلام نفى عن البارئ تعالى في الكلمة الأُولى الحدوثَ الزمانيّ ، ونفى عنه في الكلمة الثانية الذاتي .
وأمّا قوله : « مع كلّ شيء لا بمقارنة » ، فمراده بذلك أنّه يعلم الجزئيات والكليّات ، كما قال سبحانه : « مَا يَكُونُ مِن نَجْوَى ثَلاَثَةٍ إلاَّ هُوَ رَابِعُهُمْ »۱ . « وغير كلّ شيء لا بمزايلة ۲ » ، فحقّ ؛ لأنّ الغَيْرين في الشاهد هما ما زايلَ أحدُهما الآخر وباينه بمكان أو زمان ، والبارئ سبحانه يباين الموجودات مباينة منزّهة عن المكان والزمان ، فصدَق عليه أنّه غير كلّ شيء لا بمزايلة . « فاعلٌ لا بمعنى الحركات والآلة » ، فحقّ ؛ لأنّ فعله اختراع ، والحكماء يقولون : إبداع ، ومعنى الكلمتين واحد ؛ وهو أنه يفعل لا بالحركة والآلة كما يفعل الواحد منّا ، ولا يُوجد شيئا من شيء . « بصير إذ لا منظورَ إليه من خَلْقه » ۳ ، فهو حقيقةُ مذهب أبي هاشم رحمه اللهوأصحابه ؛ لأنهم يُطلقون عليه في الأزَل أنّه سميع بصير ، وليس هناك مسموع ولا مُبصَر . « متوحّد ، إذْ لا سكنَ يستأنِس به ، ويستوحش لفقده » ، فـ «إذ» هاهنا ظرف ، ومعنى الكلام أنَّ العادة والعرف إطلاق « متوحّد » على من قد كان له من يستأنس بقربه ويستوحش ببعده فانفرد عنه ، والبارئ سبحانه يطلقَ عليه أنّه متوحِّد في الأزل ولا موجود سواه . وإذا صَدَق

1.سورة المجادلة ۷ .

2.المزايلة : المفارقة والمباينة .

3.معناه ، أنّ اللّه سبحانه عالم بخلقه قبل أن يخلقهم .


تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1
64

بجسم ولا عَرَض ، ولا يصحّ عليه ما يصحّ على الأجسام والأعراض . والإخلاص التامّ هو العلم بأنّه لا تقوم به المعاني القديمة ، مضافا إلى تلك العلوم السابقة ؛ وحينئذٍ تتمّ المعرفة وتكمل .
ثمّ أكّد أميرُ المؤمنين عليه السلام هذه الإشارات الإلهية بقوله : « فمَنْ وَصَف اللّه سبحانه فقد قَرَنه » ، وهذا حقّ ؛ لأنّ الموصوفَ يقارن الصفة ، والصفة تقارنه ۱ . قال : « ومن قرنه فقد ثَنّاه » ، وهذا حقّ ؛ لأنّه قد أثبت قديمين ، وذلك محض التثنية . قال : « ومن ثنّاه فقد جَزّأه » ، وهذا حقّ ، لأنّه إذا أطلق لفظة اللّه تعالى على الذات والعلم القديم فقد جعل مسمّى هذا اللفظ وفائدته متجزئة ، كإطلاق لفظ « الأسود » على الذات التي حلّها سواد . قال : « ومن جَزّأه فقد جهله » ، وهذا حقّ ؛ لأنّ الجهل هو اعتقاد الشيء على خلاف ما هو به .
وقال : « ومن أشار إليه فقد حَدّه » ، وهذا حقّ ؛ لأنّ كلَّ مشارٍ إليه فهو محدود ؛ لأنّ المشار إليه لابدّ أن يكون في جهة مخصوصة ، وكلّ ما هو في جهة فله حدّ وحدود ؛ أي أقطار وأطراف . قال : « ومَن حدّه فقد عدّه » ، أي جعله من الأشياء المحدثة ، وهذا حقّ ؛ لأنّ كلّ محدود معدود في الذوات المحدَثة . قال : « ومن قال : فِيمَ ؟ فقد ضمّنه » ، وهذا حقّ ؛ لأنّ مَنْ تصوّر أنه في شيء فقد جعله إمّا جسما مستَتِرا في مكان ، أو عرضا ساريا في محلّ ، والمكان متضمّن للتمكّن ، والمحلّ متضمّن للعرَض . قال : « ومن قال : علامَ ؟ فقد أخْلَى منه » ، وهذا حقّ ؛ لأنّ مَنْ تصوّر أنّه تعالى على العرش ، أو على الكرسيّ ، فقد أخلى منه غير ذلك الموضع . وأصحاب تلك المقالة يمتنِعون من ذلك ؛ ومرادُه عليه السلام إظهار تناقض أقوالهم .

الأصْلُ :

۰.كائِنٌ لاَ عَنْ حَدَثٍ ، مَوْجُودٌ لاَ عَنْ عَدَمٍ . مَعَ كُلِّ شَيْءٍ لاَ بِمُقَارَنَةٍ ، وَغَيْرُ كُلِّ شَيْءٍ لاَ بِمُزَايَلَةٍ ، فَاعِلٌ لاَ بِمَعْنَى الْحَرَكَاتِ وَالاْلَةِ . بَصِيرٌ ؛ إذْ لاَ مَنْظُورَ إلَيْهِ مِنْ خَلْقِهِ ، مُتَوَحِّدٌ ؛ إذْ لاَ سَكَنَ يَسْتَأْنِسُ بهِ ، وَلاَ يَسْتَوْحِشُ لِفَقْدِهِ . أَنْشَأَ الْخَلْقَ إنْشَاءً ، وَابْتَدَأَهُ ابْتِدَاءً ، بِلاَ رَوِيَّةٍ أَجَالَهَا ، وَلاَ تَجْرِبَةٍ اسْتَفَادَهَا ، وَلاَ حَرَكَةٍ أَحْدَثَها ، وَلاَ هَمَامَةِ نَفْسٍ

1.أي فمن وصف اللّه بالعالم والقادر ونحوهما ، وأراد الصفة التي هي غير الموصوف فقد جعل له قرينا ، ومعنى القرين : الصاحب ، وليس له صاحب ولا صاحبة .

  • نام منبع :
    تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1
    تعداد جلد :
    2
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1384
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 183731
صفحه از 712
پرینت  ارسال به